الجمعة، 12 يونيو 2015

كتاب "ألقابُ الأسَر"



ذكر الإمام احمد المقري التلمساني في "أزهار الرياض" يُبين أسباب التأليف عند السادة العلماء:« رأيتُ بخط بعض الأكابر ما نصّه: المقصود بالتأليف سبعة: شيء لم يُبق إليه فيؤلف، أو شيء ألف فيكمل، أو خطأ فيصحح، أو مُشكل فيُشرح، أو مطول فيختصر، أو مفرق فيُجمع، أو منثور فيُرتب » (1). وكتاب: "ألقاب الأسر" جمع فيه مؤلفه الشيخ المُسند النسّابة سيدي محمد بن عبد الله آل رشيد ما تفرّق في غيره مما يخص ألقاب الأسَر، وشرْطهُ فيه أنْ تكون تلك الألقاب « عُرف سببها، وسَرتْ على العقِب » (2).


وإنه لكتاب مُمْتع، كثير الفائدة، وكيف لا يكون كذلك وقد استقى مؤلفه مادته مما يزيد على 480 مرجعا، منها المطبوع، ومنها المخطوط، ومن مجلات، وجرائد.. 



كما اعتمدَ فيه إفادات شيوخه له، ومن أولئك المشايخ من هم اليوم قد توفوا وانتقلوا إلى ديار الآخرة، نذكر منهم من أعلام قطرنا المغربي: المؤرخ عبد الوهاب بن منصور، والدكتور عبد الهادي التازي، والموسوعي عبد العزيز بن عبد الله، والدكتور عبد السلام الهراس. فحفظ لنا الشيخ المؤلف إفاداتهم حية بين ثنايا كتابه هذا، رحمهم الله ورضي عنهم.



كما نراه أيضا ينقل فيه ما استفاده ـ في الموضوع ـ عن أصدقائه (3)، فليس هو ممن يُنكر الفائدة ولا يعزوها إلى أصحابها إن كانوا من أقرانه، إذ تلك طريقة من أخطأ سُلّم الارتقاء إلى المعالي، وأصدقاءه ـ ما شاء الله ـ كُثر، ثم إنه يُطلق على كل واحد منهم من الألقاب ما يبرز مكانتهم وفضلهم، ويَشكرهم...



ومنَ اللطيف أنه استْشهد بإبنه القاضي الأديب السيد نواف، نَقل عنه ما رواه عن الشيخ العلامة محمد علي نزيل دبي، وذلك عند حديثه عن سبب لقب "سلطان العلماء" (4)، وهذا يدخل في باب رواية الآباء عن الأبناء، وللحافظ الخطيب البغدادي رحمه الله تأليف مستقل في هذا النوع من أنواع علوم الحديث.



وتجد العديد من أسباب ألقاب تلك الأسر استفادها الشيخ المؤلف ـ حفظه الله ـ من بعض أبنائها، ما يجعلك تظن أن الشيخ يسأل كل من يلتقيه عن "الاسم وتوابعه" (5).



ومما يجَب أنْ لا يُهمله المُطالع للكتاب؛ تلك التعليقات التي يُثبتها المؤلف في الهوامش، فكم فيها من لطائف، وتنبيهات (6)، ومباحث، وحكايات، وتصحيحات، وتعقيبات على ما كتبه الشيوخ والعلماء في مؤلفاتهم، وفوائد كثيرة متنوعة في الحديث، والتراجم، واللغة، والفقه، والتاريخ، وعن الكتب المخطوطة وأماكن تواجدها، وعن المؤلفات في موضوع مُحدد..



ثم إنه وَسّع دائرة الحديث عن ألقاب الأسر لتشمل مختلف الدول العربية، فتجد فيه الأسر المغربية، واليمنية، والشامية، والمصرية، العراقية، وغيرها من الدول..

كما تجد فيه الحديث عن ألقاب الأسر الشيعية، والمسيحية: المصرية واللبنانية..


وقد افتتح كتابه ببيان سبب تأليفه له، ومنهجه فيه، ومعنى اللقب في اللغة والاصطلاح، والآداب الشرعية للتلقيب، والألقاب في القرآن الكريم وفي السنة المشرفة، وتحدث عن تنوع أسباب الألقاب والنِّسب، وعن شخصية الملقَّب وأثرها في وقع اللقب، وأنه لا اجتهاد في أسباب الألقاب، وأنها في الغالب ليست على ظاهرها، وأعطى أمثله على من لقّب بصنعة أو مهنة وهو لم يتعاطاها البتة، وهو عنوان لطيف، أو من نُسب إلى بلد أو موضع وهو ليس منه، وما جاء في الألقاب على ضد معناه، وعلى عناية أهل العلم بمعرفة أسباب الألقاب، وأتى بنماذج مما ألفه العلماء في الألقاب، ولطائف متفرقة.



وختمه بتتمات مشوقة، ومُلحق. 

أما التتمات فذكر في الأولى من نُسب إلى كتاب، وفي التتمة الثانية من جمعَ حديث راوٍ أو أكثر الرواية عنه فلُقبَ به، وفي التتمة الثالثة معنى لقب شيخ الإسلام.
وأما الملحق فهو عبارة عن مقال للأستاذ السيد شحاتة عنوانه: "فلسفة الأسماء"، نشر بمجلة الرسالة سنة 1357هـ/1938م، وهو أيضا ممتع.


لقد انتفعتُ بمطالعة هذا الكتاب القيّم، واستفدتُ منه الشيء الكثير مما لم أكنْ أدْريه وأعلمُه، فجزى الله مؤلفه الشيخ المسند النسابة سيدي محمد آل رشيد خير الجزاء على هذا الإنتاج العلمي النافع الذي أتحفنا به.

والحمد لله رب العالمين.
-------------------
1) "ازهار الرياض في اخبار عياض" (3/35).
1)  "ألقاب الأسر" (ص 7).
3)  من الجميل أنه ترجم في سطور (ص 209) وفي (ص 276) لبعض أصدقائه يُعرّف بهم.
4)  (ص 357).
5) من المسلسلات الحديثية: مسلسل السؤال عن الاسم وتوابعه.
6)  ومما نبه عليه المؤلف: أخطاء وقعت له في بعض كتبه المطبوعة، كما في (ص 286)، و(ص 288)، و(521).