بسم الله الرحمن الرحيم
بَعث أحد تلامذة العلامة المُسْنِدْ الكبير الشيخ سيدي ياسين الفاداني (ت 1410هـ) رسالة إليه، يسأله
فيها عن درجة الحديث الذي ذكره رَزين في "تجريد الصحاح"، أنه
عليه الصلاة والسلام قال: « أفضل الأيام يوم عرفة إذا وافق يوم الجمعة، وهو أفضل
من سبعين حجة في غير يوم الجمعة »، ويَستخبره عن اسم رزين هل هو رُزَين بضم الراء
أو رَزِين بفتحها ؟
فرَغِب الشيخ ـ رحمه الله ـ إلى تلميذه الشيخ المحدث سيدي محمود سعيد ممدوح
بإحالة السؤال ـ للجواب عليه ـ إلى العلامة المحدث الشيخ سيدي عبد العزيز بن الصديق
الغماري (ت 1418هـ).
وقد قامت بطبع الكتاب دار الفرقان للنشر الحديث - الدار البيضاء، من غير ذكر لسنة الطبع، وعدد صفحاته:21 صفحة.
أول ما يستوقفك ويثير إعجابك وأنت تقرأ صفحاته الأولى، ذاك التعظيم الذي تنطق
به السطور، وتلك المحبة التي تتخلل الكلمات، حيث يُعبّر الشيخ الفاداني عن أهلية
المحدث الغماري وتمكنه في علم الحديث، وثقته الكبيرة به في هذا الباب..
وقد بادله الشيخ عبد العزيز بن الصديق نفس الإكبار والإجلال، حيث ابتدأ جوابه
بأنْ قال: « أولا: أيها الأخ العزيز، مِن فساد الأيام، وتأخر الأزمان، وضياع
الأمانة، وانقلاب الأمور والأوضاع، أن يحيل عليّ علامة مكّة المُبجل، ومسندها
الأوحد، ومحدثها الأكمل، أبو الفيض فضيلة السيد محمد ياسين الفاداني حفظه الله
تعالى، الجواب على هذين السؤالين، مع أنه صاحب اليد الطولى في الرواية، والباع
الواسع في علوم الدراية، كما يشهد بذلك مؤلفاته النفيسة ومصنفاته الممتعة الفريدة،
ولكنه حفظه الله تعالى، أراد أن يضيف فضلا إلى فضل، وكمالا إلى كمال، بإظهار
تنازله بالحوالة عليّ في الجواب عن السؤالين ».
ثم أطلق لقلمه السيّال العنان ولمْ يحجمه عن الشرح
والبيان، فحكم على الحديث بأنه « موضوعٌ لا أصل له، ولا سند يُرجع إليه في معرفة
حاله »، وانتقد رَزين على أنه أدخل في كتابه "تجريد الصحاح" ـ الذي
زعم أنه جمع فيه الصحاح- أحاديث « لا أصل لها ولا سند يعتمد عليه ».
ثم ذَكَر بعض مَن اغْتر بحديث وقفة الجمعة بعرفة بسبب نقل رزين له في كتابه ذاك، أمثال الإمام خليل المالكي في تأليفه "المناسك"، والإمام ميارة في "شرحه على متن ابن عاشر"، وابن جبير في "رحلته"، واتخذ لهم العُذر بقلة معرفتهم بالحديث..
الأمر الذي لم يَقبله من أمثال الإمام بدر الدين بن جماعة، والإمام جلال الدين
السيوطي الذي ذَكر الحديث في كتابه "نور اللمعة في خصائص الجمعة"، فلم
يتعقباه « ولا بأدنى إشارة ! كأن الحديث ثابتٌ صحيحٌ لا شيء فيه، مع أنه موضوع لا أصل
له »!
ثم تحدّث بعد ذلك عن الحديث الموضوع، وحَذّر من الأخذ « مِن الكتب التي لا يُبين مؤلفوها درجة الأحاديث التي يَحتجّون بها ولا يُشيرون إلى رُتبتها مِنَ الصّحةِ والضُّعْف»، وذمَّ الجهل بالحديث الذي أوْقع أمثال أولئك الفقهاء « في هذا الغلط القبيح والخطإ الشنيع » حيث استدلوا في مؤلفاتهم بهذا الحديث الباطل..
ثم قال أنَّ الوقفة في ذاك اليوم ـ مع عدم صحة الحديث ـ « فيها فضل، ولها مزية مِنْ غير شك »، وأفاض ـ في أزيد من ثلاث صفحات ـ في توضيح ذلك، بإيراده لنُصوص عن العارف
محيي الدين بن عربي، والحافظ بدر الدين بن جماعة، والإمام السيوطي، والحافظ ابن قيم
الجوزية..
ثم أكّد ـ رحمه الله ـ حُكمه على الحديث، فنقل عن الإمام ابن قيم الجوزية أنه قال في "زاد المعاد": « وأمّا ما استفاض على ألسنة العوام بأنها تعدل إثنين
وسبعين حجة، فباطلٌ لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا عن
الصحابة والتابعين ».
بعد ذلك، أجاب عن السؤال الثاني المتعلق باسم رزين، فبيّنَ « أنه بفتح الرَّاء،
على وزن أَمير، كما نصّ على ذلك الكتاني في "الرسالة المستطرفة" »، وترجمهُ ترجمة موجزة، ونقلَ أنّ الإمام الذهبي في "تذكرة الحفاظ"، وابن بشكوال في
"الصلة"، وابن فرحون في "الديباج المذهب"، كلهم عرّفوا بهذا العلامة،
ونَقلَ بعض ما ذكره الحافظ السلفي في التعريف به في كتاب "الوجيز في ذكر المجاز
والمجيز"..
ثم سَجل عِتابه مرة ثانية لرزين في آخر الرسالة، لـِ« أنه لم يُحسن التصرف فيما
جمعه »، ونقل انتقاد الإمام الشوكاني له أيضاً في كتاب "الفوائد المجموعة"..
وكان آخر ما كتبه في جوابه عن رسالة الشيخ الفاداني، رجاء، وطلب الدعاء، ودعوة
لتبليغ السلام للإخوان والأحباب.
والحمد لله رب العالمين.