نظرات الناس اليوم للمرأة المطلقة فيها الكثير من الطمع والريبة وسوء الظن، فلذلك يكثر تجنبهن، والبعد عنهن، والحذر منهن، والقيل والقال فيهن.
وتصير
مراقبة في كل حركة تفعلها وكل خطوة تخطوها، وتُقيد حُرِّيتها بقيود ثقيلة جائرة.
وإنْ
هي ـ يوما ـ تَزينتْ وطلبت التزويج، قيل عنها أنها فاجرة !
وما
ذلك كله إلا بسبب فشو الجهل، والغفلة عن الإحساس بمتطلبات الآخرين.
بين
يدي الآن كتاب "المُردفات مِنْ قريش" للإمام أبي الحسن علي بن محمد
المدائني (ت 225هـ)، طبع سنة 1951م ضمن مجموع، بتحقيق الأستاذ
عبد السلام هارون رحمه الله تعالى، يذكر فيه الإمام المدائني النساء القُرشيات اللواتي تزوجن زوجاً
بعد زوج، ولم يكتفين بزوج واحد لظروف متباينة، إما لكونهن مات عنهن أزواجهن في
الجهاد، أو لأنهن تطلقن..
فلم
يكن مجتمع الصحابة رضي الله عنهم ينظر إلى المرأة المُطلقة بتلك النظرة الدونية
التي يُنظر إليها اليوم، بل كانت المرأة محترمة، يُقبل على الزواج منها وإن كانت طُلقت ولها أبناء.
وقد ذكر الإمام المدائني في كتابه 28 قُرشية،
ابتدأ بأم كلثوم بنت علي بن أبي طالب عليهما
السلام، التي تزوجها أمير المومنين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقُتل عنها،
فخطبها سعيد بن العاص لكنه لم يتزوجها لعدم قبول الحسين بذلك، ثم تزوجها عونُ بن
جعفر، ثم تزوجها بعده محمد بن جعفر.
ثم أتبعها
بترجمة سيدة أخرى هي: أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، تزوجها زيد بن حارثة، ثم
تزوجها بعده سيدنا عبد الرحمن بن عوف، فولدت له أربعة أبناء، ثم خلفَ عليها الزبير بن العوام
فولدت له ابنة، وطلَّقها بطلبها، ثم تزوجها عمرو ابن العاص فأخرجها معه
إلى مصر.
وختمه بذكر دجاجة ابنة أسماء بن الصلت، وكانت
عند عامر بن كريز بن حبيب بن عبد شمس، فولدت له عبد الله بن عامر، ثم تزوجها عمير
الليثي، فولدت له عبيد بن عمير الفقيه المُحدث، ثم تزوجها الأسود، فولدت له عبد الله
بن الأسود، فكان يقال لها: أم العبادلة.
هكذا حافظ
المجتمع المسلم في بدايته على صفائه وتماسكه، وكان الجميع يجد فيه راحته، ويحقق
فيه متطلباته المشروعة، من غير حرج، أو عتاب، أو اتهام سوء.