أتممتُ اليوم قراءة هذا الكتاب القيم المفيد، قرأته ـ
على غير عادتي ـ في وقت وجيز، فهو من ذاك النوع من المُصنَّفات التي أهتم بها
وأحرص على اقتنائها، ولم أشعر عند قراءته بملل أو كلل، بل بلذة ومتعة ونشاط عجيب.
أهداه لي مؤلفه الشيخ الدكتور المحقق سيدي حمزة بن علي
الكتاني، فسرني ذلك جدا، فهو أول مُعجم شيوخ أستلمه مِنْ يد مُصنفه، زاده الله من
فضله.
وبمطالعته تَعلم ما لفضيلته من اهتمام كبير بعلم الحَديث
وحِرص شديد على الإسناد الذي هو من خصائص هذه الأمة المحمدية المباركة.
كما تعلم ما له مِنْ رواية واسعة، بل ما عَرفتِ الرباط
العاصمة ـ حسب علمي ـ من أبنائها مَن بلغ هذا العدد مِن المشايخ الذين أخذ عنهم
الدكتور حمزة، فقد أجازه أزيد من 600 شيخ وعالِم من مُختلف المدن والدول والأقطار،
وهذا ـ في وقتنا ـ شيء عجيب !
غير أنه لم يذكر في "الغُصن الوراف" سوى 71
منهم، تختلف مذاهبهم ومشاربهم، عَرّفنا بهم، وذَكر لنا بعض مناقبهم وذكرياته معهم،
وسرد لنا عناوين مصنفاتهم، وأسماء شيوخهم، ونقل لنا بعض ما استفاده منهم وسمعه
عليهم..
والكتاب نُزهة لمنْ يعتني بعلم التراجم ويُحب مطالعة
المؤلفات التي تهتم بسِيَر الأعلام، فسيجد فيه تراجم علماء ومشايخ كرام لعله لم
يسمع مِنْ قبل بهم.
افتتحه بترجمة والديه، ونِعم ما صَنع، وختمه بترجمة
المسند الكبير الشيخ صالح الأركاني البرماوي.
كما سيجد فيه مَن يهتم بعِلم الرِّواية بُغيَتهُ، فيَعرف
مِنْ خلال مطالعته ما لأولئك المشايخ الأجلة من مَرويات وأسانيد.. كما يجد فيه عدة
إجازات مصورة.
وللأديب نَصيبه من الكتاب، ففيه عدة قصائد شعرية، نظمها
المؤلف في رثاء عدد من شيوخه، منهم: والده، والشيخ عبد الحي بن الصديق، والشيخ
محمد الشوني، وجده الشيخ المنتصر الكتاني، والشيخ مَحمد بن محمد الباقر الكتاني،
والشيخ عبد الله بن الصديق، والشيخ عبد العزيز بن الصديق، والشيخ محمد المنوني،
رحمهم الله تعالى جميعا.
كما تجد فيه الكثير من الأبيات الشعرية زادت الكتاب
جمالا، أو هي مما أنشده مشايخه حين جالسهم وسَجَّله.
ومما أعجبني في الكتاب، أنه:
- ذَكَر استفادته ممن هو أصغر
منه سنا، وذَكر أسماء العديد ممن هم في مثل عمره أو أكبر قليلا، أشار إليهم على
أنهم من كبار المُسندين، ونَوه بهم كي يستفيد الناس منهم.
- وأنه عَبَّر فيه -بكل جرأة
وحُرية - عن أفكاره وآرائه، وعن انطباعاته حول تلك الشخصيات العلمية والصوفية..
- وأنه حكى لنا فيه بعض ما رآه
من منامات في أولئك السادة الأكابر، وبعض ما لهم من غريب الكرامات التي لن تقبلها
عقول من لم يصحبوا الأولياء ولم يروا مثلها في أنفسهم.
وقد ضم إلى "الغصن الوراف":
- "الأمالي
السكندرية"، وهي كلمة طويلة مفيدة كان ألقاها بمسجد المواساة بمدينة
الاسكندرية بمصر سنة 2013، تكلم فيها عن الحديث المسلسل بالأولية.
- و"الطارف
والتليد" وهي إجازة أجاز بها صاحب المصنفات الجميلة النافعة، الشيخ المسند
النسابة، سيدي محمد آل رشيد، أحد علماء السعودية.
فهنيئا للمكتبة المغربية والإسلامية بهذا التصنيف
الجديد، وجزى الله الدكتور سيدي حمزة الكتاني خير الجزاء على هذا العمل النافع
المبارك المفيد.