السبت، 28 مارس 2015

الذكرى الثالثة لوفاة الشيخ العلامة سيدي مصطفى النجار رحمه الله



في مثل هذا اليوم من سنة 2012م، شيَّعَ رجال الفكر والثقافة والسياسة والتصوف والأدب، وجمهور غفير من المسلمين قدموا من مدن بعيدة، الشيخ الفقيه العلامة سيدي مصطفى النجار إلى مَثواه الأخِير، وقد كان مُصاب أهل سلا به كبيرا، فقد فقدوا رجلا يَحقّ لهم الفخر بمثله والاعتزاز بكونه مِن مدينتهم، لسِعة علمه، وحُسن سيرته، وجمال أخلاقه، وكمال أدبه، واشتغاله بتعليم الناس أمر دينهم لسنوات طويلة من حياته.

سيفتقدون فيه ذلك العالم الهادئ المتواضع، الليّن الصبور، الذي لا تُمل مُجالسته، والذي يَستشعرون بالقرب منه معاني الأخوة والصحبة الإيمانية، فكانوا يقصدون بابه لحل مشاكلهم وليجدوا عنده جواب أسئلتهم المُحيّرة

سيفتقدون فيه نموذج العلماء الأجلة، الذين تشَرّبوا محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكان يُنشد مع المنشدين قصائد المديح النبوي، وإذا ذُُكر عليه الصلاة والسلام تقطر الدمعاتُ مِن عينيه

كما كان مُحبا للغة القرآن، وكمْ له من القصائد في مختلف المواضيع الشعرية والأدبية، ألقاها في مناسبات متنوعة، أو نُشرت له في المجلات الإسلامية، ومما كان ينشده يدعو لإتقان لغتنا العربية:

    حِفظُ اللغات علينا    فرضٌ كفرض الصّلاة
    فليـس يُضبط دينٌ    إلا   بحـفـظ   اللغــات

سيفتقده منزله الذي كان يَذكُر فيه أوْراده، ويقرأ فيه كتاب ربّه، ويصلي فيه بالليل ركعات تطوعا ونافلة.

ستفتقده الزاوية التهامية التي كان يسرد فيها سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في الموسم. وستفتقده الزاوية الحسونية التي كان يسرد فيها المولد الشريف، كما كان ينظم فيها مسابقة في تجويد القرآن الكريم. وستفتقده الزاوية التجانية التي كان يصلي فيها ويُلقي فيها دروسه.

وسيفتقده كرسي العلماء والوعاظ بالمسجد الأعظم الذي درس فيه العقيدة والفقه والحديث و"مختصر" الشيخ خليل، وسيفتقده مسجد رضا، ومسجد للاالشهباء الذي ختم فيه تدريس "مختصر الدر الثمين" لميارة، ومسجد الولي الصالح سيدي مرزوق، ومسجد الرضى.

وسيفتقده من مساجد الرباط: مسجد مولاي سليمان، ومسجد الشهداء الذي كان يخطب فيه خطبة الجمعة ويلقي فيه دروسه، ومسجد مولين، وغيرها من مساجد وزوايا العدوتين التي دلّ وأرشد فيها لما فيه النفع في الآخرة

ستحن إليه ثانوية النهضة التي درّس فيها وتلاميذها الذين تخرجوا منها

سيفتقده طلاب العلم الذين كانوا يقصدون بيته المفتوح دائما لهم، فمن أينَ لهم بمِثل نكاته العلمية وملاحظاته الدقيقة وتوجيهاته السديدة ؟ 

سيفتقدون فيه نموذج العالم المُحترم الذي كان يُعَظم شيوخه ويَذكرهم بكل أدب وتعظيم وإجلال

كما سيفتقدُ الناس فيه نموذج الوطني الغيور، والمجاهد المُخلص، الذي يهتم لأمرهم ويَبث في قلوبهم حب البلاد وروح الوطنية.

لقد كان يهيم بمحبة العلم، وكان يدعو الله تعالى ـ كما سمعتُ تلميذه الشيخ الأستاذ سيدي عبد السلام الطاهري ينقلُ عنه ـ :« اللهم أحْيِني في قبري كَيْ أقرأ العلم وأتدارسه مع شيوخي الذين سبقوني وتلامذتي»، وقد أخذه عنْ كبار العلماء، كالشيخ أحمد بن عبد النبي السلاوي، والشيخ محمد المدني بن الحسني، والشيخ محمد بن الطيب الصبيحي، والشيخ عبد الرحمن بن محمد الباقر الكتاني، والشيخ محمد بن أبي بكر التطواني وغيرهم.

وقد سار في هذا الدّرب إلى أن صار رئيسا للمجلس العلمي لسلا سنة 2004م

ومن المؤلفات النافعة التي حققها، فأخرجها من عالم المخطوطات إلى عالم المطبوعات، كتاب: "السلسل العذب" لمحمد بن أبي بكر الحضرمي، و"النوازل الفقهية" للعلامة أحمد بن الفقيه الجريري، و"المورث لمشكل المثلث" للعلامة عبد العزيز المغربي.

مزاياه رحمه الله تعالى عديدة، ومناقبه كثيرة، ومع أنه مَرّ على وفاته ثلاث سنوات؛ إلا أن ذِكْره لا يزال يُعطّر الأجواء، والثناء عليه لا يَنقضي

وقد أحسن الشيخ الأستاذ سيدي عبد السلام الطاهري حيث جمع في كتاب "مدينة سلا تودع العلامة مصطفى النجار" ما ذُكر في تأبينه من كلمات وقصائد، كما ألف بمشاركة الأستاذ محمد بن عزوز كتابا عن الفقيد عنوانه:"العلامة مصطفى النجار من أعلام الثقافة والفكر بمدينة سلا"، فأحسنا وأدّيا بعض الحق الذي للشيخ على طلابه خاصّة وعلى أهل العلم عامة.

ولد الشيخ مصطفى النجار بسلا سنة 1931م، وتوفي عليه الرحمة والرضوان بنفس المدينة يوم السبت 24 ربيع الثاني 1433هـ الموافق 17 مارس 2012م.