السبت، 11 يوليو 2015

الشيخ الدكتور سيدي محمد أبو بكر باذيب




في  شهر ماي سنة 2014م رأيتُ فيما يرى النائم أنني قصدتُ فندقا وأنا أحملُ في يدي قُفة مليئة بـ "مجلة العربي" أريد أن أهديها للشيخ الدكتور سيدي محمد أبو بكر باذيب، وحين دخلتُ الفندق رأيتُ الشيخ ينزل الأدراج وهو يحمل قفة مثلها ممتلئة هي أيضا بمجلة العربي كيْ يُهديها إليّ.
ما كنتُ أظنّ أنه سيأتي اليوم الذي ستتحقق فيه الرؤيا، فألتقي في بالشيخ وأجالسه وأكلمه مباشرة، لكنْ ذلك ما حصل صبيحة يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي، وسبحان الله تعالى القائل: ( وهو على جمعهم إذا يشاء قدير ).


فقد استدعت الطريقة البَصيرية العديد من رجال العلم والفكر والتصوف للحضور للمشاركة في الندوة العلمية التي عقدتها في مقر زاويتها ببني عياط بأزيلال، يومي الثلاثاء والأربعاء 18-19 شعبان 1435هـ، الموافق لـ 16-17 يونيو 2014م، وكان الشيخ الدكتور سيدي محمد باذيب ضمن العلماء الذين استُدعوا لكي يفيدوا بعلمهم، وكانت مداخلته تحت عنوان: "دور صوفية اليمن وحضرموت في تعزيز الأمن والاستقرار".


في صبيحة يوم الثلاثاء، وبينما أنا أنتظر في محطة الطاكسي ظهور إحداها كي أركبها تقربني إلى حيث الموعد مع الشيخ سيدي محمد باذيب، إذا بصديق من أيام الدراسة لم ألتقه مُنذ مدة طويلة كُنيتُه "جَمالي" يُلقي عليّ السلام والتحية، فتفاءلتُ به، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتفاءل بالأسماء الحسنة، وكان « يعجبه إذا خرج لحاجته أن يسمع يا راشد، يا نجيح »، فقلتُ: "إنْ شاء الله يكون هذا اليوم من الأيام الجميلة".

وحين تأخرت الطاكسي ركبتُ الحافلة، وبينما هي تسير إذا بهاتفي النقال يرنّ، ففتحته أنظر ما الخبر ؟ فرأيتُ رسالة تظهر فيها صورة هدية كُُتب فوقها بالانجليزية كلمة وهي: "birthday"، فاستغربتُ كثيرا، فليس اليوم ذكرى مولدي ! ثم أغلقته وقد ازددتُ استبشارا، وحين بلغتُ الفندق، وبينما أنا أنتظر نزول الشيخ منْ غرفته؛ إذا بالهاتف يرن مرة أخرى، وإذا بنفس الرسالة تظهر من جديد، فقلتُ في نفسي: "نعَمْ، قد فهمتُ ما ترْمي إليه، إنّ يوم اللقاء بأهل العلم والفضل ليُعد منَ الأعياد"، ألمْ يقل العلامة الوزير سيدي محمد المختار السوسي رحمه الله تعالى:


        بُشرى قد انتظم الياقوت في الجيد  *   أليس يـوم اجتماع الشمل بالعيـد
        اليـوم  تـرقـص  بالأفـراح  أفئـدة  *   نشوى فترسل من شتى الأناشيد (1)

بالبشر استقبلني الشيخ، وبعد المصافحة والعناق، شاركته إفطاره، وأهداني ـ جزاه الله خيرا ـ بعض ما ألّفه مما كنتُ أتشوق كثيرا لحيازته وقراءته، وأهديته أنا بدوري رسائل صغيرة كنتُ أحملها في محفظتي، وأظن أنّ أفضل هدية تُقدمها لعالم هي الكتب، فإن لها في قلوب العلماء مكانة، وإليها يشتاقون . 
قال العلامة الأديب سيدي محمد المختار السوسي رحمه الله:

كتبي فلا عيش لي من دونها، أوَلمْ * تدْروا بأن ليس إلا الكتب ملتحدي
فالكتب سـؤلـي وأمالـي ومنتعـشـي * وأنْـس قلبـي ومنها وحـدها جلـدي
فحـبـهـا     خامـرت     بـشاشـتـه * ما كان بيـن شراييني وفي غـددي
   بها مزاجـي وتمييـزي، فإن ذهبـتْ * تـذهـب بتمييـز ما بالـيـوم أو بغـد (2)

ومنْ سعادتي أنه دعاني لمُرافقته لزيارة الشيخ الجليل العلامة سيدي إدريس بن الإمام محمد بن جعفر الكتاني، فتبركتُ بتقبيل يد ورأس الشيخ سيدي إدريس، ومتعتُ ناظري بمشاهدة مُحياه الكريم، فإنه حقا لمن بركات مدينة الرباط عاصمة المغرب الأقصى.

ثم قصدنا جنة العلماء، ألا وهي المكتبات، حيث يسترخصون إنفاق الأموال المحبوبة بسخاء كبير، وفي مكتبة "الألفية الثالثة" التقينا بصاحب الابتسامة الصافية، الشيخ الخطيب الداعية، سيدي الحسن بن علي الكتاني، فازداد اللقاء صفاءا وبركة، ثم رافقتُهما إلى "مكتبة دار الأمان"، بعدها أضافنا الشيخ سيدي الحسن الكتاني على شرب العصير، وكان برفقتنا أحد أشقائه الكرام، فازداد اللقاء حلاوة، بعدها حملنا بسيارته إلى الفندق، ومنه إلى حيث تنتظر الشيخ سيدي محمد باذيب حافلة صغيرة للمسافرين "mini bus" تحمله إلى قبيلة بني عياط حيث الندوة الدولية.

هي ساعات قليلة أمضيتها مع الشيخ الدكتور سيدي محمد باذيب، لكن البركة فيها كانت كبيرة، وقد مَرّ على اللقاء به أسبوع كامل، ولازِلتُ لليوم أتذوق طعم حلاوة ذاك اللقاء.

فيا أهْل اليمَن، إنّ لديكم من أهل العلم سادة كرام أفاضل أخيار، إنْ لم تعرفوا لهم قدرهم وفضلهم فإن في بلاد المغرب الأقصى من يعرف لهم مكانتهم، ويفرح بلقائهم، ويتمتع بإمضاء الساعات معهم، ويعدها من المغانم الغالية، بل يرى يوم اللقاء بهم يوم عيد، منهم الشيخ الحبيب الدكتور المحقق سيدي محمد أبو بكر باذيب.
----------------------------
1) "معتقل الصحراء" (1/ 81).
2) "معتقل الصحراء" (1/ 38)