الفوائد التي
يجنيها من يُطالع المؤلفات التي تُترجم لعلماء الأمة كثيرة عديدة، فإنْ كان العالم
ممن طال عمره، واتسع اطلاعه، ورحل لأجل العلم لدول ومدن شتى، وكثرت شيوخه
وتلامذته، وتنوعت مؤلفاته، وصحب أهل السلوك.. فإن سيرته تكون في العادة ممتعة، وقد
يُفردها أكثر من واحد بالتأليف.
ومن تلك المؤلفات التي أفردت لترجمة عالم من العلماء المغاربة، كتاب: "مطالع الأفراح والتهاني وبلوغ الآمال والأماني في ترجمة الشيخ عبد الحي الكتاني"، تأليف: العلامة الأديب الشيخ سيدي عمر بن الحسن الكتاني الفاسي، المتوفى رحمه الله بالرباط سنة 1370هـ. وهو كتاب يقع في 682 صفحة، طبع سنة 1436هـ/2015م، أفرده مؤلفه للتعريف وترجمة المسند الكبير الشيخ الشهير سيدي عبد الحي الكتاني الحسني الفاسي رحمه الله، وهو من الشخصيات المغربية التي اشتهرت في العالم الاسلامي، وانتشرت العديد من مؤلفاته في كل الأقطار.
أول ما أثارني هو كون المؤلف يقارب الشيخ عبد الحي الكتاني في السن ! وهو أيضا من تلامذته ! وهذا يدل على تواضعه، فقد جرت العادة أن يأنف الأقران عن الأخذ عن بعضهم البعض وأن يترجم بعضهم لبعضهم، وقد صدر حديثا كتاب لبعض المشايخ المشارقة ترجم فيه لعلماء إحدى العلوم من القرن الاول الهجري الى وقتنا هذا، فترجم فيه لبعض المعاصرين الذين يصغرونه بأزيد من عشر سنوات، وهذا يدل على صفاء باطنه وحسن ظنه وتواضعه..
وأوّل ما نظرته في الكتاب هو الفصل الرابع الذي يذكر فيه المؤلف بعض كرامات الشيخ المترجَم، فقد طالعت عدة مؤلفات تُرجم فيها للشيخ سيدي عبد الحي، لكن هذه أول مرة أرى من يذكر بعض كراماته، قال المؤلف عند افتتاحه كلامه عنها: ( اعلم أن للسيد الأستاذ رضي الله تعالى عنه كرامات لا تُحصى ولا تُعد ولا تستقصى، يتحدث الناس بها في كل موضع، وقد شاهدتُ منه العجب العجاب من ذلك، فكم أخبرني بأمور مغيبات وقعت كما أخبر وفي الوقت الذي ذكر، وكم أخبرني بموت أناس وبوقت وفاتهم فكان الأمر كذلك..). وقد صحب الشيخ عبد الحي عدة عارفين وأولياء صالحين يدلون الناس على الله تعالى، منهم والده، وشقيقه الشهيد، والإمام محمد بن جعفر الكتاني، وغيرهم من الأكابر، مغاربة ومشارقة، فليس بغريب ظهور بعض الكرامات على من صحب مثل هؤلاء الربانيين.
أنهى المؤلف كتابه هذا سنة 1355هـ، والشيخ عبد الحي توفي رحمه الله سنة 1382هـ/1962م، أي أن المترجِم لم يستوف سيرة الشيخ عبد الحي، ومع ذلك فمجهوده فيه كبير، فقد جمع في هذا الكتاب الكثير من النصوص، والمقالات، وشهادات العلماء، وقصائد الفقهاء والأدباء في الشيخ، وكراماته، وغير ذلك من الفوائد، ما لا تجده سوى في هذا الكتاب، ولو أنه زاد فيه ما جرى للشيخ من أحداث، ورحلات، وتأليفات، وتقاريظ، وما أثنى عليه به الأكابر، منذ تلك السنة التي أنهى فيها كتابه إلى تاريخ وفاة المترجَم، لكان حجمه يأتي في مجلدين أو أكثر.
وقد اختزل بعض الفصول واختصرها اختصارا، كالفصل الثاني الذي عنونه: ( في ذكر تلامذته وإجازاته )، حيث لم يذكر سوى إجازة الشيخ عبد الحي له، ولم يُعرّف بأي أحد من تلامذته، ولو أنه ذكر بعض أعلامهم لكان أجمل، بل قال: ( تلامذة السيد الأستاذ رضي الله تعالى عنه كثيرون منتشرون في مشارق الأرض ومغاربها، لا يحصون، وجميع العلماء اليوم في الدنيا من تلامذته، إما مباشرة أو بواسطة أو بالإجازة، وبالأخص طلبة المغرب الذي بحواضره وبواديه وجباله وسهوله..).
وقد زيّن الأستاذ المحقق الشيخ سيدي خالد السباعي الكتاب بالعديد من صور الوثائق والإجازات
والرسائل وصور للشيخ المؤلف وللشيخ عبد الحي، كما قدم للكتاب بترجمة المؤلف
استقاها من مصادر مخطوطة ومطبوعة ومن مشافهات من بعض شيوخه الذين التقوا بالمؤلف،
فلعلها أجمع ترجمة كُتبت عنه رحمه الله، وفي في مقدمته للكتاب فوائد عديدة..
وقدّم للكتاب بمقدمة طويلة الشيح الدكتور سيدي محمد حمزة بن علي الكتاني، تحدث فيها عن مكانة الشيخ عبد الحي، وعن أعمال البيت الكتاني عموما، والجهود الاصلاحية للطريقة الكتانية وغير ذلك..
فهو كتاب قيم،
يحتاجه كل محب لهذا العلامة الشهير، وكل مهتم بفن التراجم والاسانيد والتصوف..