الخميس، 4 يوليو 2019

حرق الكتب وإغراقها..؟!!




كتاب لطيف، موضوعه طريف، ذكر فيه مؤلفه أسباب حرق العديد من العلماء لمؤلفاتهم، أو أُحرقت بغير إرادتهم، كما ذكر من دَفن مؤلفاته، أو غَسلها، أو أغرقها، أو مَحى ما كتبه..

قال يبين سبب تأليفه له: ( قصدتُ من هذا البحث الترويح على القراء ببعض لطائف العلماء وأخبارهم مع كتبهم، مما يؤكد على أهمية الحفاظ على الكتب وصيانة المكتبات ورعايتها من التلف، وقديما قيل: لا تجعل كتابك بوقا ولا صندوقا، فإن الكتب هي مفتاح الثقافة، ومصدر المعرفة، ومنبع الحكمة، ومنهل الأخلاق ).

فذكر من الذين احتَرقتْ مكتباتهم: الإمام الخرقي الحنبلي، لما هاجر إلى الشام أودع كتبه في درب سليمان ببغداد، فاحترقت الدار التي هي فيها واحترقت جميع الكتب. وعبد الله بن لهيعة المصري، احترق منزله فاحترقت كتبه. وعُروة بن الزبير احترقت كتبه يوم الحرة، وكان يقول: ( وددت لو أن عندي كتبي بأهلي ومالي ). والشيخ حمد الجاسر (ت 1421هـ)، احترقت مكتبته ببيروت، وتزامن ذلك مع وفاة ابنه في حادث سقوط طائرته المتوجهة إلى هولندا، قال المؤلف: ( سمعت الشيخ الجاسر في محاضرة عامة يقول: لفقد كتبي أشد على نفسي من فقد ولدي )..

ومن الذين حُرِّقتْ كتبهم: ابن حزم الأندلسي، وحُجة الاسلام الغزالي، والصاحب ابن عبّاد، وغيرهم..
وأما الذين غُرقت كتبهم، فذكر منهم: الإمام القطيعي الحنبلي البغدادي، وابن الدهان النحوي، وابن هشام النحوي.

وذكر من الذين أَحرقوا كتبهم: الحسن البصري، أحرق كتبه ولم يترك سوى صحيفة أذِن لولده بروايتها عنه. وعروة بن الزبير، ذكر ولده أنه أحرق كتبا له فيها فقه، ثم ندم على ذلك. وجمع أبو سليمان الداراني كتبه في تنُّور وسجّرها بالنار. وغيرهم..

ومن الذين دفنوها: الولي الزاهد داود الطائي. والإمام الذهلي، دُفنت كتبه بعد وفاته. والإمام الشهير سفيان الثوري الذي أوصى بدفنها وحرقها. والعابد الزاهد يوسف بن أسباط، الذي حَمل كتبه إلى غار في جبل وطرحها فيه، وسد بابه، فلما عوتب على ذلك قال: ( دلّنا العلم في الأول، ثم كاد يضلنا في الثاني ). والعلامة محمد بن الأمين الشنقيطي (ت 1393هـ)، فقد ألف قبل البلوغ كتابا في أنساب العرب نظما، ثم دفنه بعد البلوغ لأنه كان ألفه على نية التفوق على أقرانه، وقد لامه شيوخه على ما صنع. وغيرهم..

وذكر من الذين غسلوها: الإمام الحافظ شعبة بن الحجاج، والإمام الزاهد أحمد بن أبي الحواري، والإمام المجدد جلال الدين السيوطي، وغيرهم..
وذكر من الذين مَحوها: التابعي الكبير عبيدة السلماني، وخالد بن مهران الحذاء البصري.
وختم تأليفه هذا بذكر من تَعفَّنتْ كتبه، ومن قرض الكتب، ومن خَرقها.
الكتاب طبع سنة 1423هـ/2002، وعدد صفحاته: 53.

إعارة الكتب ؟!




للكتاب قيمة كبيرة عند العالِم، فهو خير جليس ـ يُستفاد منه ـ في الخلوة، وأفضل مؤنس في الجلوة، لذلك قد يبذل لشرائه الكثير من المال، وقد يسافر لحيازته إلى مكتبات قريبة وأخرى توجد في مدن بعيدة، فتكون فرحته عند الظفر به عارمة، وسعادته كبيرة، فأينما حل اشترى منها وتزوّد، وحيثما ذهب تراه يجر حقائق ثقيلة ليس فيها غير الكتب   !!
وقد يأتيه من يطلب العلم، يريد أن يستعير منه كتابا رآه عنده، فيسمح به العالِم ويعطيه له رجاء الثواب والأجر الوارد في فضل نشر العلم وإفادة الطالبين..
وقد يرده خائبا لشدة تعلقه بالكتاب، أو لخشيته أن لا يَرى كتابه ذاك مرة ثانية، فكم ممن استعار كتابا ولم يرده لصاحبه  !
حدثني صَديق كتبي، حين رأيتُ عنده كتاب "حياة الصحابة" المطبوع في ثلاثة أجزاء ينقصه الجزء الثاني وسألته عن الجزء الثاني أين هو ؟!، أنَّ أحدهم استعاره منه، فلم يَرده إليه، ونسي هو من يكون المستعير، فكل من جاء يسأل عن الكتاب لا يقدر أن يبيعه إليه لنقصانه.
وزُرت يوما أحد الكتبيين، فرأيت عنده كتاب "معجم الأدباء" الطبعة القديمة، فسألته عن ثمنه، فأخبرني به، إلا أنه ذكر لي أنه ينقصه الجزء الأول ! فتأسفت لذلك، وقال لي: أن أحد طلاب إحدى المعاهد الدينية المعروفة رآى الكتاب عنده، فسأله أن يُعيره الجزء الأول منه لأنَّ حاجته منه ـ لأجل بحث يكتبه ـ بهذا الجزء دون باقي الأجزاء، ولأنه ـ لفقره ـ لا يستطيع شراء الكتاب كله، قال: فأعرته إياه، فمنذ ذلك اليوم لم أره، قال: وكُل مَنْ عَلِم أن الكتاب ينقصه الجزء الأول يصير لا يريد شراءه.
وهذا حال الكثيرين من الذين يُعيرون كتبهم، أكثرهم لا ترجع إليهم  !
وأخبرني صاحبي الكتبي، أنه أعار أحد أصدقائه كتابا، وبعد مرور مدة طالبه به، فأنكر صديقه أنه أخذه منه !! قال: ففي إحدى الأيام زرته في بيته، وجلستُ في غرفته التي فيها مكتبته، قال وهو يتأسف: فرأيت الكتاب المذكور في الرَّف بين كتبه  !
وكم أعرتُ كتبا لأصدقاء، فإذا ذهبتُ ـ بعد مضي مدة طويلة ـ لأستردها منهم، يَردونني خائبا، أو يماطلونني حتى أيأس منها، فأقول لهم: اقبلوها مني هدية.
والعديد منهم ينسون أنهم استعاروها مني ! فأتركها لهم وأشتري نسخة أخرى منها.
وأما إذا نسيت أنا من أخذها مني، فإني لا أراها أبدا.
ولا أدري لمَ يفعل بعض الناس مثل هذا ؟!
فإذا كان المرء سيقرأ كتابا فإنه لن يستغرق سنوات في ذلك، وإذا أتمَّه أو لم تعد له رغبة في مطالعته وإتمامه، فلمَ لا يَرده إلى صاحبه ؟! فلعله يحتاج إليه، أو يريد بيعه، أو قد يفيد به غيره ؟
وهذا الكتاب "آداب إعارة الكتاب في التاث الإسلامي" خصصه مؤلفه للحديث في هذا الموضوع، وهو كتاب طريف لطيف مفيد، جمع فيه ما تفرق في غيره، طبع سنة 1426هـ/2005م، وعدد صفحاته: 146.