الشيخ العلامة
القاضي الأديب المؤرخ الصوفي الفقيه المسند سيدي أحمد سكيرج الأنصاري، من علماء
المغرب الذين زينوا القرن المنصرم، ولد بفاس، وتخرج من القرويين، ثم تقلد القضاء
بعدة مدن، وسافر لعدة دول: الجزائر، تونس، مصر، فرنسا، والحجاز، وألف مؤلفات عديدة
في التصوف والتراجم والفقه والحديث..
كان أول كتاب أقرأه له هو: "كشف الحجاب
عمن تلاقى مع الشيخ التجاني من الأصحاب"، فأعجبني، وإني أحب كتب التراجم، ثم
قرأت له غير ذلك وانتفعت.
وقد وقفتُ على
قبره وترحمت عليه..
وهو رجل لطيفة
أخلاقه، شاعر أديب كثيرة قصائده، نظم الشفا للقاضي عياض، ونظم خصائص السيوطي،
وقصائد في الرحلة، والمدح..
جميل الصورة، منور
الوجه، ضحوك غير عابس، اجتمعت ببعض من لقيه، فذكر لي أن الشيخ كان يباسطه ويضاحكه..
وتَعْلم تواضعه
بمطالعة كلماته التي يخاطب بها صديقه الشيخ الحافظ سيدي عبد الحي الكتاني التي
يفتتح بها رسائله إليه، مع أن الشيخ عبد الحي أصغر منه سنا بما يناهز عشر سنوات،
وله فيه قصائد عديدة يمتدحه فيها، وقد عده في فهرسته "قدم الرسوخ" من
مشايخه، وقال: ( لا أحتاج إلى التنويه بشأنه، وهو ممن ألقى السلاح كل فاضل بين
يديه )، والشيخ عبد الحي يستحق التنويه والتفخيم.
الرسائل تُظهر
المودة والمحبة التي كانت بين الرجلين، وتبين تعاونهما العلمي، وتحكي واقع التصوف
في تلك المرحلة وما كان يعانيه شيوخه، وجهودهما في الرد على مناوئيه، وغير ذلك من
الفوائد..
وفي الرسائل
الخاصة التي يبعثها الأصدقاء لبعضهم البعض، قد يصرح الانسان بما لا يذكره في
مؤلفاته وأمام الناس، فيبدي مثلا رأيه في أشخاص، فينعتهم بنعوت لا توافقه عليها،
ولكن، ليس من الشرط كي تحب العالم أن يكون كاملا، وأن يكون بلغ النهاية في كل
العلوم، وأن تتفق معه في كل شيء وكل آرائه !
جَمع هذه الرسائل
الهائم بحب هذا العالم: الأستاذ الكاتب المحقق سيدي الراضي كنون، وقد نشر له
العديد من المؤلفات، جزاه الله خيرا وزاده توفيقا.
وأهداه لي الدكتور
الكاتب المحقق سيدي حمزة بن علي الكتاني أكرمه الله، فكانت أحسن هدية، وأتممت
قراءته عند الأخوال بمدينة اكادير آخر شهر ذي القعدة.
توفي العلامة
القاضي الأديب سيدي أحمد سكيرج رحمه الله بمدينة مراكش سنة 1363هـ/1944م.