فتراهم يَنسبون أقوالا للنبي صلى الله عليه وسلم وليسَتْ هي من كلامه عليه الصلاة والسلام !
أو يَنسبونها لمصادر ـ بعد البحث ـ لا تَجدها فيها ! وقد لا يَحضرهم مِنَ الأحاديث عند إلقائهم لتلك الكلمة، إلا ما اشتهر على الألسنة، وتكون إما واهية أو مَوضوعة !
لذلك كان مِنَ الدُّعاة مَنْ لا يُحِب الارْتجال، ولا يُلقي كلمة إلا بعد أنْ يكتبها في بيته بين كتبه ومراجعه، ثم يُلقيها على السامعين وهو يقرأها من الورقة.
واتهام عالِم كبير بأنه وَضَّاع لأنه استَشهد في كتابٍ بحَديثٍ نَسبه للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم ظهر أنه غير صحيح، ليس بالأمر السَّديد،
فإنَّ الخطأ لا يَسلم منه عالِم،
وتُهمة الوَضع ليست سهلة،
ومِنْ أين لنا أنه تَعمَّد ذلك ؟
فلا يُضيع الانسان آخرته بكلمة.
فقد تَخطر عليه ـ عند الكتابة ـ حِكمة لبعض الأولياء، فيَحبسها لسيد الأنبياء، فكلام بعض العارفين يُشبه كلام الأنبياء والمرسلين (*)، فيَنسبها إليه !
وليس كل مُحَدِّث له مثل قُوة حافظة الإمام البخاري والترمذي والدارقطني وابن عقدة.
ثم إنَّ الغَلط في هذا الباب لا يَسلم منه حُفَّاظ الحديث الكبار الذين أفنوا أعمارهم في هذا العِلم، وكانوا هُم المَرجع فيه، قال ابن المبارك: ( ومَن يَسلم مِن الوَهم ؟ ).
فتجد مِنهم مَن صَّنفوا كُتُبا قالوا أنهم جَمعوا فيها الأحاديث الصَّحيحة فقط، لكن عند التنقيب والتفتيش اكتُشِفتْ أحاديث موضوعة عديدة تسللت إليها !
ككتاب المُسْتدرك على الصحيحين للإمام الحاكِم، فقد نبه الحافظ الذهبي في التلخيص على ما فيه من الضعيف والمَوضوع،
فهل يُقال عن مثل الإمام الحاكم أنه مِنَ الوَضَّاعين لأنه قيَّد تلك الأَحاديث في مُستدركه وهي مَوضوعة غير صَحيحة ؟
طبعا لا، بل هو مِنْ أئمة الحديث الكبار في هذه الأمة المُحمدية المباركة، وكتابه مُفيد لا يَسْتغني عنه مُحَدث.
وهذا الإمام الحافظ المُجدد جلال الدين السُّيوطي قال في خُطبة الجامع الصغير أنه صانه عما تفرد به وضَّاع أو كذاب، فإذا في كتابه أحاديث موضوعة عديدة، جمعها الحافظ سيدي أحمد بن الصديق في المُغير.
فهل يَجرؤ أحد على اتهام هذا الإمام الحافظ الكبير بأنه وَضَّاع ؟
طبعا لا، فهو شيخ الحديث في زمانه، وهو مِمَّن نتقرب إلى الله بمَحبته، وكتابه من مراجع الباحثين والمُحققين والمُحدثين إلى يومنا هذا.
ورأيتُ الإمام المحدث سيدي عبد الله بن الصديق الغماري في كتابٍ له استَشهَد بحديث في فضائل النبي عليه الصلاة والسلام، وكان ذكَر في أوله أنه لمْ يَسْتشهد في ذلك الكتاب إلا بأحاديث ثابتة صحيحة،
ثم رأيته في كتاب آخر اعتذر على استشهاده بنفس الحديث، أظنه ذَكرَ أنه موضوع، وقال أنه قلَّد فيه الإمام السيوطي، وتَشعر مِنْ كلماته أنه تأثر كثيرا لأنه أدخل ذلك الحديث في كتابه ذاك !
مَقامك يا سيدي كبير عند تلامذتك ومُحبيك، ولن يُؤثِّر في مَحبتهم لك، وتَقديرهم لعِلمك، واعترافهم بمَكانتك وعَملك وجُهودك، وُجود أخطاء وهفوات فيما كتبتَ، فمَنْ ذا الذي صَنَّف ولم يَقع في مثلها ؟
علينا أن نَعْذر العلماء ونُحسنَ الظن بهم، ونَتلطف مَعهم، ونَترحَّم على مَن تُوفي مِنهم ونَذكُرهم بالخير، ونَقبل اعتذار مَن اعتذر منهم، ونُقَبل رُؤوسَهم وأيْديهم، ونَحترمهم، ونتأدب معهم، ولا نَرميهم بتُهمة الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم إذا ما استشهدوا في بعض مُصنفاتهم بحديث موضوع،
فما كانوا ليَتعمدوا الكذب عليه صلى الله عليه وآله وسلم،
إنما وقع لهم سَهو، أو أخطأوا في الاجتهاد والحُكم، أو كانت كُتبهم بَعيدة عنهم، فاعتمدوا على ذاكرِة ظنوها لا تزال قَوية، فخانتهم.
--------------------------
(*) كان الإمام سيدي محمد الباقر إذا ذُكر عنده الإمام الحَسن البَصري يقول: ( ذاك الذي يُشبه كلامه كلام الأنبياء ).
وقال حُجة الإسلام الإمام الغزالي: ( كان الحَسن البصري أشبه الناس كلاما بكلام الأنبياء ).