صفحات العلماء
والمشايخ، مغاربة ومشارقة، بَشَّرت البارحة بصُدور كتاب "فتح الفتاح على
مختصر الشيخ خليل"، للعلامة الفقيه القاضي سيدي الحسن بن رحال بن أحمد بن علي
المعداني التدلاوي، المتوفى سنة 1140هـ،
وهو حَدث علمي
كبير، يَستحق أن يُعلن عنه ويُحتفل به، فالكتاب ضخم جدا، ولم يُطبع مِنْ قبل، وهو
في شرح كِتاب يُعَد من من الكتب المعتمدة في الفقه المالكي،
ومن العجيب أنه
بقي محفوظا كل هذه المدة، لم تأكله الأرضة، ولم يُصبه التلف، ولم يتعرض للحرق أو
الضياع..
لكنْ إذا علمتَ أن
المُؤلف استَأذنَ في كتابته شيخه العارف بالله سيدي أحمد بن عبد الله معن الأندلسي
الفاسي، وأن هذا العارف الكبير كتب له البسملة في أوله وأذِن له، زال العجب.
ولاشك أنَّ تأليف
مثل هذا الكتاب الكبير يَحتاج لعلم غزير، وصبر طويل، وعزيمة قوية، ولمراجع كثيرة،
وهي في زمانهم كانت بخط اليد،
وليست خطوط
العلماء كلها سهلة القراءة مفهومة،
وليست المؤلفات
التي كانوا يُطالعونها كَكُتب زماننا المطبوعة أحسن طباعة، الواضحة الخطوط،
المُفهرسة بحيث تصل للفائدة في أقل من دقيقة..
تُرى لو تَوفر
لأولئك السادة الكمبيوتر والمكتبة الشاملة، ماذا كانوا سَيُصَنفون لنا ؟!
أما مُؤلِّفُ
الكتاب، فهو أحد رجالات المغرب العظام وعلمائه الكبار الفخام، نعته العلامة المؤرخ
سيدي عبد الرحمن بن زيدان بـ: (نادرة الزمان، وأعجوبة الأوان)، ونعته الإمام سيدي
محمد بن الطيب القادري بـ: (الفقيه الكبير، حافظ زمانه، صاعقة المطالعة والتدريس)،
والثناء عليه كثير.
أخذ العلم عن
أكابر وقته، كشيخ الجماعة بفاس، الإمام القدوة سيدي عبد القادر الفاسي، والإمام
المجدد سيدي علي اليوسي، والإمام سيدي محمد المسناوي، وغيرهم.
وأخذ العلمَ عنه
سادة كبار، منهم الإمام سيدي احمد بن مبارك السجلماسي، والعلامة سيدي الكبير بن
محمد السرغيني، والعلامة المفتي سيدي محمد بن عبد الصادق الدكالي وغيرهم،
وترك عدة مؤلفات،
منها: "الارتفاق في مسائل الاستحقاق"، و"كشف القناع عن تضمين الصناع"،
طبعا أكثر من مرة، وحاشية على شرح ميارة على التحفة، وغير ذلك.
كان ـ كما ذَكَر
صاحب التقاط الدرر ـ كثير الانصاف، متواضعا، سليم الصدر، كريم الأخلاق، حلو
المداعبة، مفضالا.
ابتَدأ قراءة كتاب
"الشفا" للقاضي عياض وهو مَريض، فكان الطلبة يدخلون عليه للقراءة عليه،
فتوفي رحمه الله وهو يَقرأ هذا الكتاب المبارك، ودفن بضريح بضريح أبي عثمان سعيد
المشنزائي خارج باب وجه العروس بمكناس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق