الأحد، 9 مارس 2025

كتاب: المذكرات السياسية والعلمية للشيخ عبد الحي الكتاني


 

أتممتُ البارحة قراءة هذا الكتاب، أتحفني به ـ قبل أسبوع ـ الشيخ الكريم المفضال، الدكتور المحقق سيدي حمزة بن علي الكتاني جزاه الله خيرا وأكرمه،

أّلَّفَه العالِم المغربي الشهير، المُحَدّث المُؤرخ الكبير الذي نَعتز به ونفتخر، الشيخ سيدي عبد الحي الكتاني الفاسي عليه الرحمة والرضوان، 

اعتنى به الدكتور عبد الجبار گارح، ونشرَته ـ آخر الشهرـ الماضي دار الإحياء للنشر والتوزيع الكائنة بطنجة.

وهو كتاب قيّم نفيس، تحَدث فيه الشيخ عبد الحي ـ كما قال في أوله (ص 51)ـ عن بعض ما علق بالبال مما يتعلق بحياته الدينية والعلمية والسياسية..

ولا شك أنه سَيُلاقي الكثير من الاهتمام لِمكانة مؤلفه وأهمية مَضمونه، كما سيكون عليه الكثير من الإقبال، خاصة لدى مُحبيه وعُشاق كتاباته، وهم كُثر تجدهم في كل البلدان.

وقد كتبه بأسلوب سهل واضح، ليس فيه أي تعقيد، فيستفيد مِنْ قراءته كل أحد.

ابتدأ فيه بذكر مَكان وسنة ولادَته، قال: ( كانت ولادتي على ما يظهر في سنة اثنين وثلاثمائة وألف بفاس)، ثم تَحدث عن والده العلامة الجليل الشيخ عبد الكبير الكتاني، الذي فرحتُ حقا حين زُرتُ مرقده الشهر الماضي رفقة حفيده الأستاذ سيدي عمر بن عبد الرحمن الكتاني، فإني أُجِلّه وأُعَظِّمُه.

ثم ذَكَر شيوخه الذين دَرس عليهم، ومَن أجازه أو تَدبّج معه مِن علماء المغرب والمشرق، واجتهاده في طلب العلم ونَشره، وخِدمته للزاوية وضُيوفها..

وفيه يَذكر مُجريات رحلته الحِجازية الأولى، والتي كانت سنة 1323هـ، فيُسمّي لنا مَن لقيه في طريقه مِن أهل العلم والفكر والسياسة ورجالات التصوف.. وما جَرى بينهم من مُذاكرات أو مناظرات، وما استفاده منهم أو أفادهم به.. والمساجد التي دَخلها، والزوايا والمكتبات وأضرحة الصالحين التي زارها، كما يذكر لنا ما حَصّله في رحلته تلك من نوادر المصنفات ونفائس الكُتب التي يستفيد منها اليوم الكثير من أهل العلم.

وكانت رحلته الحجازية الثانية سنة 1351هـ، مَر فيها بأوربا، فالتقى هناك بالأمير شكيب أرسلان، وبابا الفاتكان، وغيرهما من الأعلام والأعيان.

وفي الكتاب نراه يُحلل وَضع المغرب في عهد السلطان المولى عبد العزيز، وعهد أخيه السلطان عبد الحفيظ، ثم عهد السلطان المولى يوسف الذي قال بأنه (كان مُتواضعا، حبيبا [كذا، ولعلها: حييا]، لا يُحب العَيب ولمْ يتخذه مذهبا، وكان ديّنا درقاويا).

كما حَلل فيه وانتقد أوضاع عدة بلدان عربية، يَذكر ما كانتْ عليه، وما حصل فيها من تغيير بعد سقوط الخلافة العثمانية ودخول الاستعمار.

الكتاب فوائده كثيرة، مختلفة متنوعة، ما يجعلك لا تَملّ عند قراءته، بل تستمتع وترجو عدم الوصول إلى نهايته.

ومن كلماته التي أعجبتني فسَجّلتها، قوله:

(ص 148):( القوة لا تُقابل إلا بالقوة، وأن القوة كل القوة في إنهاض الأُمَّة وتعليمها، وبَث روح الدين والعَمل بها في قلوب الناشئة، ومِنْ رُوح الدين (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)).

(ص 212): (الزوايا مبشرة في الأصل بالإسلام، وداعية له، تُطعم الضعاف، وتأوي المساكين، وتُعلم الجاهلين).

(ص 218): (بعزة العلم والعلماء تتصاعد الدولة في أوج العظمة والعزة، والعكس بالعكس).

(ص 229): (الكتب من النفائس، بل وأنفس النفائس عند قوم كثيرين).

(ص 249): (كل أُمّة لا تربط حاضرها بماضيها، ولا حاضرها بمستقبلها، فإنها تموت حتما).

(ص 386): (مَن كان على بصيرة من أمره، لا يضره قدح القادح ولا مدح المادح).

والحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق