كانت ساعات ممتعة تلكَ التي أمضيتها في قراءة رحلة الشيخ العلامة سيدي شَيخ بن محمد بن حسين الحبشي، والمسماة:"الشاهد والمقبول بالرحلة إلى مصر والشام وإسطنبول"، ومما يشجعك على قراءة الكتاب ومطالعته جمال الطبعة وأناقتها، فالخط واضح بيّن، وبين ثنايا الصفحات تجد صورا منثورة عن تلك المعالم وأولئك الأعلام، وكم سعدت حين رأيت صورة الشيخ سيدي محمد السمان رحمه الله، فإن الرجل معروف مِن أهل العرفان..
ومن اللطيف أن المؤلف حين أتى على ذِكر العنب، رأينا في جنب الصفحة (201) صورة لعناقيد عنب متدلية، فأعجبتني تلك الإضافة التي سرقت مني ابتسامة، ولعل السبب في وضعها هناك وارد صوفي غلب.
أول ما تستفيده من الكتاب التعرف على مؤلفه السيد العلامة شيخ بن محمد بن حسين الحبشي، والحق أن اليمن خرّجتْ ـ ولا تزال ـ علماء أفذاذ، وصلحاء كبار، ودعاة عظام، يجمل التعرف عليهم وعدم الجهل بهم، والمؤلف منهم، وتدري قيمته حين ترى ما يلاقيه به علماء المدن التي زارها والبلدان التي دخلها من حفاوة بالغة واهتمام زائد.
يعجبك أسلوب المؤلف الواضح السهل، كما يعجبك ما سجله في رحلته من فوائد منثورة عن أولئك الشيوخ، وعن تلك المؤلفات التي رآها في المكتبات، وطبيعة تلك المناطق ومُميزات أهلها..
فلتجار دمشق عمائمهم التي تميزهم عن غيرهم، وكانت أثمان المطبوخات بها في غاية الرخص، ويُدْبحُ فيها كل يوم من الغنم 3000 من غير البقر والجمال، بينما في اسطنبول التي كان عدد سكانها آنذاك مليون نفس، فإنه يُذبح فيها من الغنم كل يوم 8000 ومن البقر 3000 !
وتجد في الكتاب إجازات واستدعاءات، منها إجازة الشيخ المسند العلامة المكي بن عزوز، ومنها إجازة الشيخ العارف سيدي علي بن محمد الحبشي لشقيقه مؤلف الرحلة، ولا يسعك حين تقرأ إجازة هذا العارف سوى التلذذ بجميل خطابه الذي لا ينبعث إلا من قلب فاضت أنواره فامتلأ بالمعارف والعلوم.
ومن جميل ما تقرأ في الكتاب أن المؤلف ـ رحمه الله ـ التقى في رحلته بعالم مغربي قدير، ذلكم هو الشيخ العلامة الأديب القاضي سيدي أحمد البلغيثي ـ رحمه الله ـ، وهو ممن لا يجهله مطلع على تراجم مشايخ القرن الماضي، فقد تخرج على يده علماء كبار، وأخذ عنه مشايخ فخام، وكانت سيرته طيبة عطرة على كل لسان. قال المؤلف (ص:312)« ثم إنّي في أثناء الطريق، قمتُ أمشي في البابور المذكور إلى بعض البناقِل، فلمحتُ عيني رجلا من المغاربة، فتوسّمتُ فيه العلم والولاية، فسألت بعض خدمه: من هذا الشيخ؟ فقال: هذا الشيخ أحمد البغتينيّ المغربي »، ولو علم الشيخ البلغيثي ما قاله مؤلف الرحلة عنه هنا لأعجبه ذلك، ولازداد اغتباطا وسرورا.
وقد علّق مُحقق الرحلة الشيخ الدكتور سيدي محمد أبو بكر باذيب في الهامش إلى أن الشيخ المذكور هو « الشيخ أحمد بن المامون البلغيثي، وإنما كتب المؤلف اسمه حسبما سمعه مِن مرافقه باللهجة المغاربية ».
ومما يؤكد ما ذهب إليه المحقق، ما ذكره الشيخ عبد الحفيظ الفاسي في "معجم الشيوخ"(ص:104) في ترجمة العلامة أحمد البلغيثي أنه « حج أولا سنة 1317هـ، وثانيا سنة 1328هـ» وهي نفس السنة التي قام بها العلامة شيخ بن محمد الحبشي برحلته هاته.
وقد علّق مُحقق الرحلة الشيخ الدكتور سيدي محمد أبو بكر باذيب في الهامش إلى أن الشيخ المذكور هو « الشيخ أحمد بن المامون البلغيثي، وإنما كتب المؤلف اسمه حسبما سمعه مِن مرافقه باللهجة المغاربية ».
ومما يؤكد ما ذهب إليه المحقق، ما ذكره الشيخ عبد الحفيظ الفاسي في "معجم الشيوخ"(ص:104) في ترجمة العلامة أحمد البلغيثي أنه « حج أولا سنة 1317هـ، وثانيا سنة 1328هـ» وهي نفس السنة التي قام بها العلامة شيخ بن محمد الحبشي برحلته هاته.
وقد ذكر العلامة شيخ بن محمد الحبشي أنه باحث هذا العلامة فوجده « عالما عاملا » وأنه قال له:« إني أدخل في أسباب التجارة وأحب ذلك صوْنا لشرف العلم ». وحين تقرأ ترجمة الشيخ البلغيثي في مؤلفات المغاربة تجد أن من مؤلفاته ـ رحمه الله ـ كتاب:"سياق الخسارة في بضاعة من يحط من مقام التجارة"، وهذا مما يؤكد أن المقصود هو العلامة أحمد البلغيثي المغربي لا أحد غيره.
وقد أضاف المحقق إلى الرحلة "مكاتبات المؤلف مع إخوانه وأقرانه"، و"ديوان صاحب الرحلة"، فزاد من متعتنا ومن الفوائد الكثيرة التي غنمناها، زاده الله من فضله.