الأربعاء، 22 مايو 2024

شرح سورة القدر للشيخ الفقيه الرباني سيدي محمد الميموني الطنجي التجاني


 

مِنَ المُصنفات في شرح سورة القَدْر، هذا الكتاب الذي صنفه الشيخ الفقيه الخطيب الرباني سيدي محمد الميموني الطنجي التجاني رحمه الله تعالى، ألفه سنة 1398هـ، وطُبع بطنجة سنة 2005، وعدد صفحاته: 59.

وقد تَحدث فيه عن أغراض هذه السورة، وخصائصها، وعلاماتها، وسبب نزولها، ومعنى الروح، وأقسام الوحي، ولِمَ سُميت هذه الليلة بليلة القدر، وأقوال العلماء في تعيينها،

وذَكرَ فيه عدة أحاديث، في الأعمال التي إذا عمل بها المُسْلم، غَفر الله تعالى له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهي أعمال قد صنف في جمعها غير واحد من الأئمة..

كما في الكتاب فوائد عديدة أخرى متعلقة بهذه الليلة المباركة.

ومما قال فيه (ص 9): ( والاعتصام بالكتاب هو التمسك بما فيه، والعمل بمقتضاه، وترك الخروج عن سننه وهديه، وتنزيله المكانة التي تليق به، ومن عجائب الزمان، أننا نرى أناسا لم يُعِيروا أي اهتمام لكتاب ربهم، ولم يُعظموه كما يجب عليهم، فتَرى بعضهم يضع المصحف على الأرض وهو لا يدري ما في ذلك من الاحتقار والإهانة لكتاب الله عز وجل الذي هو كلام الله المقدس وخطابه الموجه إلى خلقه مباشرة، عِلما بأن الواحد منهم لو كانت عنده رسالة لأحد عُمال المَلك فضلا عن الملك نفسه، لصانها وعَظّمها، وحرَص كل الحِرص على صَونها من التلف والضياع، أما لو كانت عنده رسالة من السلطان نفسه، فإنه يجود بعينيه ونفسه من أجلها، ويَضن بكل غال ونفيس من أجل الحفاظ عليها، ولا يسمح أن تضيع منه بأي حال من الأحوال، بل تجده يحافظ عليها مُحافظة الشيخ على ماله زمن العُسرة، فالله الله أيها المسلمون اتقوا الله وعظموا كتاب ربكم، فإنه لا إيمان لمن لا يحافظ على كتاب ربه..).

وقد كان الشيخ الجليل سيدي محمد الميموني جمع هذا الكتاب وصنفه، استجابة لطلب بعض إخوانه من أبناء الطريقة، وإلحاحه عليه في إحدى ليالي القدر أنْ يُحدثهم عن هذه الليلة، ويُبين لهم فَضلها وما ورد فيها..

فلما تكرر الطلب عليه في السنوات التالية، وضع هذه الرسالة، وصارت عادته بعد ذلك أن يسردها ويقرأها عليهم في تلك الليلة العظيمة المباركة، إما في بيته أو في الزاوية.

فرحمة الله على هذا الرجل الجميل الشيخ الفقيه سيدي محمد الميموني وجزاه خير الجزاء على ما ألّف وعلّم.

الثلاثاء، 28 نوفمبر 2023

حديث ما بين قبري ومنبري


 

وأنا أطالع في عنوان "طريق الهدى" من مجلة "الفيصل"، (العدد 185، ص 58، الصادر سنة 1412/1992)، حيث يُجيب فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن سعد اللحيدان عن أسئلة قُراء المجلة، كان أول سُؤال في تلك الصفحة هو: هلْ صَحّ هذا الحديث: ما بين قبري ومنبري رَوضة من رياض الجنة ؟

فرأيته أجاب قائلا: « هذا الحديث بهذا النص وَضعه القُبُوريون، وتواتر لديهم جدا، وجعلوه سبيلا لهم إلى عبادة القبور ...»، 

إلى أن قال: « فالقوم هنا يُبدلون "حُجرتي" فيقولون: "ما بين قبري"، فجمعوا بين الكَذب والبهتان وبين الدعوة إلى الكفر وعبادة غير الله معه، ولعل أهل الديانات غير السلامية يضحكون من هؤلاء الذين يتسمون بالمسلمين وهم يعبدون القبور وأصحاب القبور مع الله، وهم يقولون بلسان الحال كفانا الشيطان والجهل تضليل هؤلاء حتى كفروا حيث جهلوا لا إله إلا الله محمد رسول الله وما تقتضيه من لوازم التوحيد »  !!

وصدور هذا الكلام من هذا الدكتور شيء عجيب !

فالحديث رواه أئمة الحديث الشريف الكبار في مصنفاتهم !

فرواه الإمام الطبراني في معجمه الأوسط (1/192، ح 610)، قال: « نا أبو حصين الرازي قال: نا يحيى بن سليم، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن نافع عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم به. ثم قال: لم يرو هذا الحديث عن ابن خثيم إلا يحيى، تفرد به حصين ».

وذكره في موضع آخر من نفس الكتاب (1/223، ح 733).

فهل يُعد الإمام الطبراني من القبوريين ؟

وماذا يقول عن الإمام سراج الدين ابن الملقن الذي قال في كتابه "حدائق الأولياء" (2/153): «وصَحَّ: ما بين قبري ومنبري...الحديث» ؟

فهل هو أيضا ممن يدعو لعبادة القبور حين صحح هذا الحديث ؟

ثم ماذا سيقول عن الإمام البخاري الذي روى الحديث في صحيحه لكن بلفظ: ( ما بين بيتي ومنبري..إلخ) غير أنه بَوب عليه: ( باب فضل ما بين القبر والمنبر ) ؟

ورواه الإمام مُسلم في صحيحه أيضا بلفظ: ( ما بين قبري ومنبري..) في كتاب الحج، وبوب عليه: ( باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة ).

فلمَ استعملا في التبويب كلمة: ( قبري ) عوض: ( بيتي )؟

لاشك أنهما أيضا من القبوريين الذين يدْعون للقبورية ؟!

بل قال العلامة المحدث سيدي عبد الله بن الصديق الغماري رحمه الله في "إعلام الراكع": « وجاء في صحيح البخاري بلفظ قبري في رواية ابن عساكر، ورواه جماعة بلفظ قبري أيضا »فذكر منهم: البزار، وهو في "مسنده" (15/20، ح 8220)، والخطيب في موضح أوهام الجمع والتفريق، وأبو النعيم في الحلية، وغيرهم.

فما شَتت الأُمّة، وزاد في افتراقها، إلا مسارعة بعض الناس ـ رغم ما لهم من علم ـ إلى تكفير المسلمين، أو اتهامهم بالبدعة، عند الاختلاف معهم! 

وما أحوج العالِم إلى التؤدة، وما أحوج الأمة إلى علماء فقهاء رحماء يحرصون على وحدة الجماعة، واجتماع الكلمة، وصفاء القلوب.

الاثنين، 2 أكتوبر 2023

الإمام محمد بن عبد الله الخُرْشي!


 الإمام الفقيه الرباني، الشيخ سيدي محمد بن عبد الله الخُرْشي المصري، يُعد من كبار أئمة المالكية، وهو أول مَن تولى مشيخة الأزهر.

ولد سنة 1010هـ، أخذ عن كبار العلماء، وأخذ عنه الكثير من الأعلام. 

ترك عدة مؤلفات، أشهرها شرحه الصغير للمختصر. وتوفي سنة 1101هـ.

ذَكر العلامة محمد الصغير الإفراني رحمه الله في ترجمة هذا الإمام في كتاب"صفوة من انتشر": ( أنه لما وُضع في قبره قال واضعه: بسم الله، فقال هو بلسان فصيح: توكلتُ على الله، سمع ذلك جميع من حضرَ ممن كان قريباً من القبر )! وهي واحدة من كراماته رضي الله عنه.

كانت لهذا الإمام مُراسلات مع السلطان المغربي المولى إسماعيل (ت 1139هـ)، وأرسل إليه هدية مِنْ مصر "شرحه لصغرى السنوسي"، وقد أجاب السلطان على رسالته برسالة أخرى طويلة، حلاه فيها بألقاب عالية تليق بمقامه ومكانته..

ومِنْ تعظيم المغاربة لهذا العالم الجليل وتقديرهم لعلمه الواسع، أنَّ شَرحه الصغير للمختصر طُبع بمدينة فاس على الحجر ما بين 1284هـ و1286هـ. وطبع نرة أخرى على نفقة السلطان المولى عبد العزيز العلوي بمصر سنة 1317هـ.

كما ترى مشايخ الحديث المغاربة في فهارسهم وأثباتهم، يَذكرون اتصال سندهم بهذا الإمام وبمؤلفاته، وترجموا له ـ أيضاًـ في كتبهم، ولهم عدة حواش على شرحه للمختصر..

وفي ترجمة العلامة محمد الصغير الإفراني له نراه يقول: ( اشتهر على الألسنة بالخِرْشي بكسر الخاء نسبة إلى خِرشة بكسر الخاء قرية من اعمال القاهرة )، وكذا قال الإمام الحُضيكي في "طبقاته".

والذي رأيتُه على أغلفة بعض طبعات كتابه في شرح المختصر: (الخُرشي) بضم الخاء. 

وسمعتُ الشيخ الدكتور احمد طه الريان المالكي الأزهري المصري على اليوتوب في درس له ينطقه هكذا: (الخُرَشي أو الخُراشي)، بالضم.

وقال العلامة محمد الصغير الافراني أنَّ وفاته كانت سنة 1102هـ، وكذا قال الإمام الحضيكي، والمؤرخ محمد بن الطيب القادري في "التقاط الدرر".

والصحيح أن وفاته كانت في سنة 1101هـ كما ذكره تلميذه محمد الجمالي المغربي في تعريفه به الذي نقله الامام علي الصعيدي العدوي في حاشيته على شرح المذكور. 

وكذلك حدد تاريخ وفاته بهذه السنة: عبد الله الشبراوي في "ثبته"، وقد أجازه الشيخ الخرشي بالصحيح وغيره. والجبرتي في "عجائب الاثار". ومحمد بن محمد مخلوف في "شجرة النور الزكية". وإسماعيل البغدادي في "هدية العارفين". وإدريس القيطوني "معجم المطبوعات المغربية". ومحيي الدين الطعمي في "النور الأبهر" وغيرهم.

رحم الله هذا الإمام وجَدد على مرقده الرحمات.



السبت، 2 سبتمبر 2023

العلامة عبد المجيد الشرنوبي



العلامة الفقيه الصوفي عبد المجيد الشرنوبي، من علماء مصر، مالكي المذهب، ولد ـ حسب ما في الإعلام بتصحيح كتاب الأعلام ـ سنة 1260هـ تقريبا.
أخذ عن علماء الأزهر، وألف تصانيف عديدة،
قال القاضي عبد الحفيظ الفاسي: ( رُزق السعد في قبولها.... وكلها مشهورة قد أقبل الناس عليها وانتفعوا بها )،
وقال الحافظ أحمد بن الصديق أنه: ( حصل عليها الاقبال شرقا وغربا )،

منها: شرح مختصر ابن أبي جمرة، وشرح الأربعين النووية، وشرح الحكم العطائية، وشرح دلائل الخيرات وغير ذلك.

لم يذكر صاحب "الأعلام الشرقية" سنة وفاة هذا العلامة الكبير !
ولم يحددها العلامة محمد بن محمد مخلوف في "شجرة النور الزكية"، بل قال: ( كان حيا سنة 1340هـ ).
وقد جاوزها قطعا، فإجازته لعبد الحفيظ الفاسي كانت بتاريخ 1342هـ.

وقال أحمد بن الصديق في "البحر العميق": ( توفي بعد خمس وأربعين ). وعلق العلامة الأمين بوخبزة في الهامش: ( وبالضبط سنة 1348هـ ).
وأما المؤرخ الزركلي، فذكر في "الأعلام" أن وفاته كانت سنة 1348هـ/1929م.
غير أني رأيت على غلاف شرح الأربعين النووية للمترجمَ الذي نشره حفيده، أن سنة وفاته هي 1349هـ ! والظن أن الحفيد سيكون أعلم بتاريخ وفاة جدّه من غيره.

وقد لقي شرحه لمختصر الامام ابن أبي جمرة القبول والرواج، فطبع عدة مرات، وكان رحمه الله تعالى أتمّه ( في ليلة القدر السابعة والعشرين من رمضان سنة ثلاثمائة وألف من هجرة سيد ولد عنان )، فكيف لا يكون مباركا !


 

الأربعاء، 3 مايو 2023

كتاب رحلات علماء المغربين الأقصى والأوسط المكية للدكتور الناجي لمين


 

كتاب مفيد ممتع، تقرأه لحلاوته في جلسة، طبع سنة 2016، عدد صفحاته 71 صفحة، أهاده لي مؤلفه العلامة الدكتور الشيخ سيدي الناجي لمين جزاه الله خيرا، تحدثَ فيه عن الرحلات الحِجازية التي قام بها علماء المغرب الأقصى والأوسط خلال القرنين السابع والثامن، فعرَّف فيه بـ22 عالما من الذين رحلوا للمشرق وأدوا مناسك الحج والعمرة في تلك الفترة،
فمنهم من اجتمع بأبي طاهر السِّلفي المسند الكبير الحافظ، كمحمد بن قاسم التميمي الفاسي، ويحيى الزواوي.

ومنهم أحمد بن محمد التميمي القرشي السلاوي الذي أخذ عن عبد الرزاق ابن العارف الكبير سيدي عبد القادر الجيلاني، وهذا العالم السلوي لم أجد له ترجمة في مجالس دنية ولا إتحاف الدكالي !
ومنهم من أخذ عن الحافظ شرف الدين الدمياطي كعلي البجائي.

ومنهم من اجتمع بسلطان العلماء العز بن عبد السلام كأحمد بن عيسى الغماري، وناصر الدين منصور الزواوي المشدالي.

ومنهم ابن رشيد السبتي صاحب الإسناد العالي مؤلف "ملء العيبة".

ومنهم القاسم بن يوسف التجيبي الذي اجتمع في دمشق بشيخ الإسلام ابن تيمية وروى عنه.

ومنهم من اجتمع في مصر بالإمام الكبير ابن دقيق العيد، كالقاسم التجيبي، وإبراهيم بن يخلف المطماطي، ومحمد بن إبراهيم الآبلي.

ومنهم من اجتمع بالحافظ ابن قيم الجوزية كمحمد بن محمد بن أحمد المقري.

ومنهم الرحالة الكبير الشهير ابن بطوطة الطنجي الذي تُرجمت رحلته إلى الكثير من لغات العالم، وغيرهم.

وقد تحدَّث في كتابه هذا عن مقاصد هؤلاء العلماء مِن رحلاتهم تلك، وأن المقصد الأسمى منها كان هو: أداء فريضة الحَج وزيارة المدينة المنورة، ثم يأتي في الدرجة الثانية: مقصد طلب العلم.

ومن مقاصدهم أيضا: (تحصيل علوم لم يكونوا قد درسوها من قبل، أو الاستزادة من علوم كانوا قد نالوا منها نصيبا ببلدهم الأصلي الذي خرجوا منه)، و: زيارة الأماكن المقدسة ببلاد الشام ولقاء العلماء الأعلام، والقراءة عليهم والرواية عنهم..

ومن النتائج المهمة لهذه الرحلات: تصنيف مؤلفات مهمة فيها معلومات عن تلك البلدان التي زاروها، ومعالم المدن التي دخلوها، وتراجم مَن لقوا فيها مِن العلماء الأفذاذ، وما أخذوه من أسانيد عالية، وما دَرَسوه هناك من كتب علمية..

فذكر لنا المؤلف في المبحث الثاني من كتابه عناوين فهارس وبرامج لأولئك العلماء، وأعطانا فكرة عن موضوع كل كتاب، وإنْ كان طبع أو هو من المصنفات المفقودة..
كما تحدث عن كون كتب رحلات العلماء المغاربة تُعد مصدرا من مصادر تاريخ بلاد الحجاز، ونقل كلاما مهما حول ذلك من كتاب "الرحلات المغربية والأندلسية مصدر من مصادر تاريخ بلاد الحجاز في القرنين السابع والثامن الهجريين" لمؤلفته الدكتورة عواطف محمد يوسف نواب.

وبين أيضا أن تلك الرحلات التي ألفوها تُعد مصدرا من مصادر التاريخ الحضاري والسياسي والثقافي لمدينة الإسكندرية، والقاهرة، ولمدينة الخليل، والقدس، وعسقلان، وغزة وغيرها من المدن المشرقية.

ومن نتائج تلك الرحلات: (إدخال كتب فقهية كان لها أثر بارز في تطور الدرس الفقهي)، فذكر في هذا العنوان مَن أدخل كتاب "المختصر الفرعي" لابن الحاجب للمغرب، وكيف اعتنى فقهاء المغرب به حتى كان منهم من يحفظه عن ظهر قلب. ومَن أول من أدخل إليه مختصر الشيخ الخليل، وما كان أثره بعد أن تعرف علماء فاس عليه...

هذا بعض ما في الكتاب من موضوعات جميلة وفوائد قيمة، وكتب الرحلات الحجازية المغربية كلها نفيسة، ممتعة، رائعة. 

أحوال عبد الله بن الزبير للعلامة المحدث محمد يونس الجونفوري


 

كتابٌ في سيرة الصحابي سيدنا عبد الله بن الزبير، ألفه العلامة المحدث الشيخ سيدي محمد يونس الجونفوري الهندي عليه الرحمة والرضوان، نشرته مكتبة قاسم العلوم سنة 1442هـ/2021م بعناية الشيخ محمد عمار سليم، وعدد صفحاته: 140.

أهداه لي تلميذ المؤلف الشيخ العلامة سيدي محمد أيوب السورتي جزاه الله خيرا، ففرحت به، خاصة أنه في التعريف بأحد الصحابة الكرام الذين نُكن لهم كل المحبة والإجلال، والذين كلما اطلعتَ على سِيَرهم إلا ويزداد تعظيمك لهم وأدبك معهم..

لقد كان سيدنا عبد الله بن الزبير رضي الله عنه أول مولود وُلد للمهاجرين بالمدينة، فكان فرحهم بمَولده كبيرا، وذلك لأنه قيل لهم أنَّ اليهود قد سَحرتكم فلا يُولد لكم ! وقد أذَّنَ في أذُنه جَدّه الصِّديق، وحَنكه أفضل الخلق مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا له، وبَرك عليه، وسَمّاه، وكان أول ما دخل جوفه ريقه عليه الصلاة والسلام.

والده هو حواري النبي صلى الله عليه وسلم، أحد المبشرين بالجنة، وأحد أبطال الإسلام، سيدنا الزبير بن العوام.

وأمه هي ذات النطاقين، سيدتنا أسماء بنت أبي بكر الصديق.

وخالته هي أم المؤمنين سيدتنا عائشة وكانت رضي الله عنها تحبه.

قال بعضهم: (كان ابن الزبير لا يُنازع في ثلاث، في العبادة، والشجاعة، والفصاحة).

أما العبادة فكان لا ينام الليل، يُطيل القيام في الصلاة، ويطيل الركوع والسجود، وكان دائم الصيام، يُوَاصل سبعة أيام، ولا يؤثر ذلك فيه !

وأما الشجاعة، فعُرف بها، وكان يُضرب به المثل في الشجاعة، شَهد له بها العدو والصديق.

وأما الفصاحة، فكان من خطباء الإسلام، قال له والده وقد سمعه يخطب: (والله لكأني أسمع خطبة أبي بكر الصديق حين سمعت خطبتك يا بني).

من مباحث الكتاب الممتعة المفيدة، والتي خَصص لها الكاتب صفحات عديدة، ما ذَكَره عن حُكم دَم النبي صلى الله عليه وسلم وبَوله، فقد شرب عبد الله بن الزبير في طفولته دمه عليه الصلاة والسلام !

أتاه وهو يَحْتَجم، فدعاه صلى الله عليه وسلم إلى أنْ يهرق الدم حيث لا يراه أحد، فقام عبد الله بن الزبير بشربه، فلما رجع للنبي صلى الله عليه وسلم سأله: ما صنعتَ يا عبد الله؟ قال: جعلتُه في مكان ظننتُ أنه خافٍ على الناس، فقال له: فلعلك شربتَه؟ قال: نَعَم، فقال له عليه الصلاة والسلام: ومَن أمرك أن تشرب الدم ! ويلٌ لك من الناس، وويلٌ للناس منك.

وقد قال بطهارة دمه عليه الصلاة والسلام علماء كُثر، تجد أسماءهم وأقوالهم والنقول عنهم في الكتاب.

لم يُرزق الشيخ الجونفوري بأبناء، فلم يتزوج رحمه الله قط، لكن من سعادته وجود تلاميذ له يُحبونه ويعظمونه ويهتمون بعلمه، وينشرون ما خطته يمينه، فهنيئا له.

الثلاثاء، 11 أبريل 2023

كلمة عن كتاب "الغصن الوراف في إجازة الحبيب السقاف" لمؤلفه الشيخ الدكتور سيدي حمزة بن علي الكتاني


 

أتممتُ اليوم قراءة هذا الكتاب القيم المفيد، قرأته ـ على غير عادتي ـ في وقت وجيز، فهو من ذاك النوع من المُصنَّفات التي أهتم بها وأحرص على اقتنائها، ولم أشعر عند قراءته بملل أو كلل، بل بلذة ومتعة ونشاط عجيب.

أهداه لي مؤلفه الشيخ الدكتور المحقق سيدي حمزة بن علي الكتاني، فسرني ذلك جدا، فهو أول مُعجم شيوخ أستلمه مِنْ يد مُصنفه، زاده الله من فضله.

وبمطالعته تَعلم ما لفضيلته من اهتمام كبير بعلم الحَديث وحِرص شديد على الإسناد الذي هو من خصائص هذه الأمة المحمدية المباركة.

كما تعلم ما له مِنْ رواية واسعة، بل ما عَرفتِ الرباط العاصمة ـ حسب علمي ـ من أبنائها مَن بلغ هذا العدد مِن المشايخ الذين أخذ عنهم الدكتور حمزة، فقد أجازه أزيد من 600 شيخ وعالِم من مُختلف المدن والدول والأقطار، وهذا ـ في وقتنا ـ شيء عجيب !

غير أنه لم يذكر في "الغُصن الوراف" سوى 71 منهم، تختلف مذاهبهم ومشاربهم، عَرّفنا بهم، وذَكر لنا بعض مناقبهم وذكرياته معهم، وسرد لنا عناوين مصنفاتهم، وأسماء شيوخهم، ونقل لنا بعض ما استفاده منهم وسمعه عليهم..

والكتاب نُزهة لمنْ يعتني بعلم التراجم ويُحب مطالعة المؤلفات التي تهتم بسِيَر الأعلام، فسيجد فيه تراجم علماء ومشايخ كرام لعله لم يسمع مِنْ قبل بهم.

افتتحه بترجمة والديه، ونِعم ما صَنع، وختمه بترجمة المسند الكبير الشيخ صالح الأركاني البرماوي.

كما سيجد فيه مَن يهتم بعِلم الرِّواية بُغيَتهُ، فيَعرف مِنْ خلال مطالعته ما لأولئك المشايخ الأجلة من مَرويات وأسانيد.. كما يجد فيه عدة إجازات مصورة.

وللأديب نَصيبه من الكتاب، ففيه عدة قصائد شعرية، نظمها المؤلف في رثاء عدد من شيوخه، منهم: والده، والشيخ عبد الحي بن الصديق، والشيخ محمد الشوني، وجده الشيخ المنتصر الكتاني، والشيخ مَحمد بن محمد الباقر الكتاني، والشيخ عبد الله بن الصديق، والشيخ عبد العزيز بن الصديق، والشيخ محمد المنوني، رحمهم الله تعالى جميعا.

كما تجد فيه الكثير من الأبيات الشعرية زادت الكتاب جمالا، أو هي مما أنشده مشايخه حين جالسهم وسَجَّله.

ومما أعجبني في الكتاب، أنه:

-  ذَكَر استفادته ممن هو أصغر منه سنا، وذَكر أسماء العديد ممن هم في مثل عمره أو أكبر قليلا، أشار إليهم على أنهم من كبار المُسندين، ونَوه بهم كي يستفيد الناس منهم.

-  وأنه عَبَّر فيه -بكل جرأة وحُرية - عن أفكاره وآرائه، وعن انطباعاته حول تلك الشخصيات العلمية والصوفية..

-  وأنه حكى لنا فيه بعض ما رآه من منامات في أولئك السادة الأكابر، وبعض ما لهم من غريب الكرامات التي لن تقبلها عقول من لم يصحبوا الأولياء ولم يروا مثلها في أنفسهم.

وقد ضم إلى "الغصن الوراف":

- "الأمالي السكندرية"، وهي كلمة طويلة مفيدة كان ألقاها بمسجد المواساة بمدينة الاسكندرية بمصر سنة 2013، تكلم فيها عن الحديث المسلسل بالأولية.

- و"الطارف والتليد" وهي إجازة أجاز بها صاحب المصنفات الجميلة النافعة، الشيخ المسند النسابة، سيدي محمد آل رشيد، أحد علماء السعودية.

فهنيئا للمكتبة المغربية والإسلامية بهذا التصنيف الجديد، وجزى الله الدكتور سيدي حمزة الكتاني خير الجزاء على هذا العمل النافع المبارك المفيد.