السبت، 21 سبتمبر 2013

في زيارة للشيخ العلامة الدكتور الشيخ سيدي إدريس الكتاني


ـ عن يسار الشيخ إدريس الكتاني الأستاذ رضى الله عبد الوافي، وعن يمينه يوسف أبجيك ـ

أخذتُ موعداً مع الدكتور سيدي عمر الكتاني لزيارة والده الشيخ العلامة الدكتور سيدي إدريس الكتاني ـ حفظه الله ـ، وقد كانَ لمّا سمع أنّ الزائر هو الأستاذ رضى اللهعبد الوافي ابن العلامة الأديب سيدي المختار السوسي؛ رحّبَ، وأبدى سروره الكبير، ووَعَد خيراً.
فأعدنا الاتصال به يوم الجمعة 12 شعبان 1434هـ، الموافق ل 21 يونيو 2013 م، حَسبَ الاتفاق، فأنبأنا أنّ والده سيكون بانتظارنا في داره على الساعة الخامسة زوالا. 
فكنا في المَوعد.

طرقتُ الباب، فخرجتْ إلينا الخادم، فأخبرتها بأننا على موعد مع العلامة سيدي إدريس، فدخلتْ لتستأذن لنا، وبعد لحظات عادتْ ففتحتِ الباب مُشرعاً لتعْلمنا أنّ الشيخ بانتظارنا، دخلنا حديقة البيت، وإذا بالشيخ يَظهر من وراء باب المنزل وهو يَتكئ على عكازته الطبّية ذات القوائم الثلاث، ويخطو إلينا بخطوات بطيئة، والبشر على وجهه، وكلماته بالترحيب تصل إلى مَسامعنا، فقطعنا تلك المسافة التي تفصلنا عنه بسرعة كي لا نُتعب الشيخ العالي السّن والمقام بمزيد من الخَطو.

وبعد التحية وتقبيلنا لليَد والرأس[1]، أخذَنا الشيخ إلى حيث يُجالس الزوّار في زاوية من بيت الضّيافة، فقعدنا على أريكة، ثم سأل منْ منا هو ابن العلامة المختار السوسي ؟ فعرّفه الأستاذ عبد الوافي بنفسه، فكان أوّل ما قاله له الدكتور سيدي إدريس الكتاني بعد أن استمع إليه هو:« المختار السوسي، أنا عِشتُ معه، وأقدّره تقديراً كبيراً »، ثم أضاف مثنياً عليه:« هُو من رجال المغرب الأقحاح المؤمنين الصامدين ».

لقد أبدى الشيخ سعادته بهذه الزيارة، وأضافنا على حلوى ولذيذ الشراب، وطالت مجالستنا له لمدةٍ تقارب ساعةً ونصف، انبسط فيها أيّما انبساط، أليس يُجالس ابن من نَعته في نفس المجلس بقوله:« بالنسبة للكتانيين هو الشخصية الأولى التي نفتخرُ بها، ونعتزّ بها، ونعدّه واحداً من العائلة ».

وكانَ أنْ حضر معنا طرفاً من هذه الجلسة ابنة الشيخ: طبيبة العيون الدكتورة بثينة الكتاني لحلو، فآنستنا بمشاركتنا الحديث والمائدة.
ومثل الشيخ إدريس الكتاني مَن يرحل المرء للقائه ولو نأتْ داره مئات الأمْيال، ففي مثله يتحقّق قول الناصح:

أيها الإخوان أوصيكم * وصية الوالد والوالدة
لا تنقلوا الأقدام إلا إلى * من عندكم في قربه فائدة
إمّا لعلم تستفيدونه * أو لكريم عنده مائدة

وقد أهدى إليه الأستاذ رضى الله عبد الوافي  بعضاً مِن مؤلفات والده مِمّا طُبع حديثاً باعتنائه، وأراه مواضع منها حيث ترجم والده لبعض مشايخه من السادة الكتانيين[2]، وأظهر له بعض ما فيها من وثائق وصور، فأخذ الشيخ إدريس الكتاني يتصفحها مُهتبلا بها، وقال أنها كانت تنقصه، وأنه كان شديد الحاجة إليها.

ثم لمّا أعلمه السيد عبد الوافي بالمقصد من الزيارة، وأنه لأجل السؤال عن كلمته التي ألقاها في حفل تأبين العلامة المختار السوسي المنعقد إبان وفاته، وأراه صورة لإحدى الجرائد التي سَجلت ذلك الحدث في صفحاتها، وذكّرَه بأنه كان أول المتدخلين بعد كلمة الملك الراحل الحسن الثاني -رحمه الله- والتي ألقاها نيابة عنه المؤرخ سيدي عبد الوهاب بن منصور - رحمه الله ـ، وأخبره أنه يرغب في تسجيلها وإضافتها للكتاب الذي سيصدر قريباً بمناسبة حلول الذكرى الخمسينية لوفاة العلامة المختار السوسي ضمن مجموع الكلمات التي قيلت في تأبينه في ذلك الحفل، ولما رأى الشيخ إدريس الكتاني اسمه في تلك الصورة سعِد ـ حفظه الله- كثيراً، إذ رجعنا به إلى تلك الفترة التي كان يُقَدّرُ فيها الرجل حقّ التقدير ويُعْطى له من المرتبة ما يستحقها، فاقترح ـ حفظه الله- أنْ يكون حفل إحياء الذكرى الخمسينية لوفاة العلامة المختار السوسي بداره، في تلك القاعة الواسعة حيث كنا نجالسه[3]، وقال بأن على جميع الهيئات العلمية والمؤسسات الفكرية والسياسية.. أن تشارك في هذا الحفل، وأنْ يكون في غير ما مدينة، مُعللا ذلك وهو يتحدث عن المختار السوسي، بأن:« الشعب كله يُحبه، ويَذكر مفاخره ومزاياه وما قام به في حياته ». غير أن ذاكرة الشيخ لم تسعفه كيْ يُخبرنا هل كانت كلمته تلك والتي ألقاها في حفل تأبين العلامة المختار السوسي مكتوبة أو مرتجلة.

هذا مجمل ما دار في تلك الجلسة، وكان ختامها أن طلبتُ منه أن يُسْمعنا الحديثَ المُسلسل بالأولية، كما صنع والده الإمام الكبير شيخ الإسلام سيدي محمد بن جعفر الكتاني - نوّر الله مرقده- مع العلامة سيدي المختار السوسي -عليه الرحمة والرضوان-، حيث أسمعه إياه لمّا عاد من الديار المشرقية[4]، ففعل، ثم أهدانا بعض مؤلفاته، وقال أننا مُرحّبٌ بنا في أي وقت نشاء، وأنّ البيت بيتنا، وكان ختام الجلسة دعوات مباركات دعا لنا بها - جزاه الله خيرا-، ثم قمنا بعد أنْ سلّمنا عليه نقصد الخروج، فشيّعنا إلى باب الدار بتلك الخطوات البطيئة المتئدة، فودّعناه على أساس أنْ تلك ستكون - إن شاء الله تعالى- أوّل الزيارات وليس آخرها.

« السّوسي شكورٌ غير كفور، وأنه يَألفُ ويُؤلف، وأنه يُقدر العظماء قدرهم، ولا يتصف بالأنفة إلا ما طابت سريرته وزكت أرومته »[5] ، بمثل هذه الأخلاق وغيرها التي كان يتصف بها العلامة سيدي محمد المختار السوسي ـ رحمه الله ـ ، تكوّنتْ له في قلوب كل المغاربة محبة عظيمة، ومودّة جدّ صافية، فصار كلما ذُكر شُكر وأثنيَ عليه، وتسارعتْ دعوات الترحم تطلبه.







[1]  ليس هناك ما يمنع من تقبيل أيدي أهل العلم والفضل، وقد ألف في ذلك شيخ عدد من مشايخنا العلامة المحدث سيدي عبد الله بن الصديق الغماري ـ رحمه الله- رسالة سماها:"إعلام النبيل بجواز التقبيل" ألفها في مصر، وكذا للعلامة المؤرخ سيدي محمد الكانوني العبدي الآسفي ـ رحمه الله- رسالة سماها "توضيح السبيل فيما ورد في السنة من التقبيل"، ولغيرهما، فلا حرج من فعل ذلك، خاصة مع أمثال الشيخ إدريس الكتاني وهو من الطاعنين في السن، وقد أُمِرنا بتعظيم أمثالهم، فكيف وقد جمع إلى ذلك العلم والشرف والفضل ؟ فإنّ تقبيل يده حينها من علامات التوقير والأدب.
[2]  ترجَم العلامة المختار السوسي في "مشيخة الإلغيين من الحضريين" لشيخه الإمام محمد بن جعفر الكتاني وكذا للشيخ عبد الحي الكتاني (ص 183)، كما ترجم فيه للشيخ الطاهر الكتاني (ص 186)، وترجم في "معتقل الصحراء"(2/46) لأبي المزايا إبراهيم الكتاني ترجمة طنانة، أثنى فيها عليه وعلى العديد من أفراد هذه الأسرة. فهي محبة متبادلة وتواد وتواصل.
[3]  وهذا يُظهر المودة الصافية التي يكنها أفراد هذه الأسرة للعلامة سيدي المختار السوسي، وقد سبق أن أقام العلامة إبراهيم الكتاني بداره بفاس حفلة تكريمية للعلامة المختار السوسي حين حصّل هذا الأخير ما قدّر له من علم بهذه المدينة وأراد الرحيل عنها. أنظر كتاب "ذكريات" (ص 17).
[4]  أنظر حكاية ذلك في "مشيخة الإلغيين من الحضريين" (ص 184).
[5]  "مشيخة الإلغيين من الحضريين" (ص 309).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق