(كتبتها يوم 17
يونيو 2012)
في شهر رجب توفي الشيخ محمد إلياس
الكاندهلوي الهندي مؤسس جماعة الدعوة والتبليغ.
ولد هذا الإمام في الهند سنة 1303هـ. والده هو العالم الرباني محمد إسماعيل، ينتهي نسبه إلى سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه. حفظ الشيخ محمد إلياس القرآن في طفولته، وكانت تصدر عنه في صباه أفعال تدل على حميته للدين واهتمامه له، يقول رفيقه في الكُتّاب الأستاذ رياض الاسلام الكاندهلوي:
« حينما كنا تلميذين في الكُتّاب جاء يوماً بحطب وقال: تعال يا أخي رياض الاسلام نجاهد ضدّ التاركين للإسلام! ».اهـ
ولد هذا الإمام في الهند سنة 1303هـ. والده هو العالم الرباني محمد إسماعيل، ينتهي نسبه إلى سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه. حفظ الشيخ محمد إلياس القرآن في طفولته، وكانت تصدر عنه في صباه أفعال تدل على حميته للدين واهتمامه له، يقول رفيقه في الكُتّاب الأستاذ رياض الاسلام الكاندهلوي:
« حينما كنا تلميذين في الكُتّاب جاء يوماً بحطب وقال: تعال يا أخي رياض الاسلام نجاهد ضدّ التاركين للإسلام! ».اهـ
صحب الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي
المتوفى سنة 1323هـ، وبايعه، وحين توفي شيخه هذا قال:« أصابني في حياتي حزنان لا
عهد لي بهمان حزن وفاة والدي، وحزن وفاة شيخي وسيدي الكنكوهي، ويقول: قد ضيت وطري
من البكاء واستنفدت ماء الشنان حين وفاة سيدي الكنكوهي ».اهـ
وأخذ - رحمه
الله تعالى- الحديث الشريف في ديوبوند عن الشيخ محمود حسن المعروف بشيخ الهند،
وقرأ الكتب الستة على الشيخ محمد يحيى في ظرف أربعة أشهر، كما اخذ عن الشيخ خليل
أحمد السهارنفوري، وبايعه، ثم اشتغل مدرساً في مدرسة "مظاهر العلوم"
بسهارن فور ، ثم تزوج وحجّ عدة مرات، وكان - رحمه الله- من العابدين، وكان إذا
أراد أن يبدأ بتدريس الحديث توضأ وصلى ركعتين ويقول:« إن حرمة الحديث وعظمته
تتطلبان أكثر من ذلك ».
وقد أسس "جماعة الدعوة والتبليغ"، فبدأ بالقيام بالجولات الدعوية، وانضم الناس إليه في البداية على خجل، ثم انتشرت دعوته وكثر المقبيلين عليها في القرى والمدن، وباركها العلماء كالإمام سيدي أشرف علي التهانوي، قال الشيخ أبو الحسن الندوي:« عندما أراد الشيخ محمد إلياس أن يتحدث مع الشيخ التهانوي في هذا الصدد، قال التهانوي: لا حاجة إلى الدلائل لأن الدلائل إنما تقدم من أجل تقرير شيء وتأكيده، وقد تأكدنا من جانب هذا العمل، واقتنعنا به عن طريق نماذج عملية، فنحن في غنى عن كل دليل، واحمد الله، وقد حوّلتم اليأس إلى رجاء ».
وقال الشيخ محمد يوسف ابن الشيخ محمد إلياس:« بينما نحن جلوس في منزلنا إزاء باب العمرة، وكان الشيخ محمد إلياس يتحدث إلينا، ونحن مصغون إليه، إذ طلع علينا رجل ووقف بالباب وقال: إن العمل الذي تقومون به أوصيكم بالاستمرار فيه، لأن في ذلك أجراً وجائزة، ولو اطلعتم عليها لطرتم فرحاً ومتم جزعاً، ولم يلبث الرجل أن مضى، ولم ندر من هو، أما الشيخ فبقي يتحدث ولم يلتفت إليه بتاتاً ».
ولما نتشرت الجماعات التبليغية
في الهند انطلقت لتنشر دعوتها في غيرها من الأقطار، وقد كان النجاح حليفها، فبلغت
أماكن بعيدة، وأنشأت مراكز لها في مختلف الأقطار.
لقد كان الشيخ محمد إلياس
نحيفاً ضعيف البنية، لكنه كان كبير الهمة عاليها، وفي أيامه الأخير وقد أصابه
المرض وبلغ به الضعف مبلغه، قال وقد أوصاه الطبيب بالسكوت:« إني أفضل أن أموت
بجراء الكلام الدعوي على أن أسكت عن أمر الدعوة والتبليغ كي عود صحتي ». واشتد به
المرض في مارس سنة 1944م، ومع ذلك كان يأتي للمسجد وهو يتهادى بين رجلين، ويؤدي
الصلاة قائماً، وقد بقي يشتغل بأمر الدعوة إلى أن توفي رحمه الله في رجب سنة 1363
هـ.
ونختم بكلمة للشيخ المفكر وحيد
الدين خان ذكرها في كتابه "المنهج الرباني في الدعوة إلى الله" (ص:59)،
قال:« مولانا محمد إلياس (1886-1944) من مشاهير المصلحين المسلمين في العصر
الحديث، وكان من الذين أنعم عليهم بحساسية بالغة لنشر الدعوة. نسوق إليكم هذه
الواقعة التي توضح
ذلك بجلاء.
في الربع الأول من القرن
العشرين، كان مولانا إلياس يعمل في ميوات mewat بحريانا haryana، وهي منطقة كثيراً ما كان يتردد إليها. ذات يوم، وبينما كان
مولانا منكباً على شرح أركان الدين وأحكام الصلاة لأحد الميواتيين - والميواتيين
أناس يعرفون بفظاظتهم وخشونة معاملتهم وبلادة حسهم وجهلهم- وإذا بالأخير يشطاط
غضباً وانقلب على مولانا ليرمي به بكل قسوة وشدة حتى أن اللطمة جعلته يترنح ويهوى
على الأرض. لكن مولانا رغم ذلك كله تمالك نفسه وكظم غيظه وهمّ بالوقوف، وما إن
استرجع وعيه من وطأة اللطمة حتى خاطب مهاجمه قائلا:" أما وقد قمت بإنجاز عملك
أيها الميواتي، فدعني الآن أنجز أنا عملي واصغ لما سأقوله".
وهكذا ودون أن يضيع لحظة واحدة
في المهاترات، أسلم مولانا نفسه لهذا الظلم الصارخ، ولم تمض لحظات إلا وعاد مولانا
من جديد يساعد الميواتي على تعلم أمور دينه.
إن هذا الأسلوب في معالجة الأمور بهذا اللطف والتسامح لم يسبق له مثيل من قبل ، وكان له أثره على الميواتي، مما جعله ليس فقط ينشط غلى الدرس بكل جد واهتمام، بل جعله أيضا يبادر بطلب الصفح من مولانا عما اقترفه في حقه، وهكذا أصبح من الغيورين على نشر الدعوة.
إن أخلاق الداعية -باختصار شديد- تحمل في مكنونها نمط سلوكي جيد من طرف واحد، وأن أولئك الذين لهم الشجاعة والإقدام لتبَنّي هذا النمط من قواعد السلوك هم وحدهم القادرون على نشر الدعوة الحق، بل أنهم وحدهم الجديرون بالقيام بهذا الواجب ».اهـ
إن هذا الأسلوب في معالجة الأمور بهذا اللطف والتسامح لم يسبق له مثيل من قبل ، وكان له أثره على الميواتي، مما جعله ليس فقط ينشط غلى الدرس بكل جد واهتمام، بل جعله أيضا يبادر بطلب الصفح من مولانا عما اقترفه في حقه، وهكذا أصبح من الغيورين على نشر الدعوة.
إن أخلاق الداعية -باختصار شديد- تحمل في مكنونها نمط سلوكي جيد من طرف واحد، وأن أولئك الذين لهم الشجاعة والإقدام لتبَنّي هذا النمط من قواعد السلوك هم وحدهم القادرون على نشر الدعوة الحق، بل أنهم وحدهم الجديرون بالقيام بهذا الواجب ».اهـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق