السبت، 21 سبتمبر 2013

من البدع في الصلاة

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله وآله وصحبه وإخوانه الذين يأتون من بعده.
وبعد، فهذه سطور قليلة، أتحدث فيها عن هيئة في الصلاة يعملها الكثير من الناس، تقليداً منهم لما في كتاب "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" للشيخ المحدث ناصر الدين الألباني، وهي قبض أصابع اليَدِ كهيأة العاجن عند إرادة القيام من السجود، ولمّا صار الكثير من الإخوان يصنعها، فقد رأيتُ أنْ أكتب هذه الكلمة لعلها تكون منبهة لهم إلى ترك تلك الهيئة التي لا يشهد لها أي دليل !
٭٭٭
أصل ما استندَ إليه الشيخ الألباني رحمه الله في سنّية هذه الهيئة عنده، هو حديث: « كان يعجن في الصلاة: يَعتمد على يديه إذا قام ». قال الألباني: « رواه أبو إسحاق الحربي بسندٍ صالح، ومعناه عند البيهقي بسند صحيح ».( أنظر ص 155 من "صفة صلاة النبي"، طبعة مكتبة المعارف للنشر والتوزيع ).

وهذا الحديث ضعيفٌ من جهة الإسناد.
فقد رأيتُ شيخنا العلامة المحدث سيدي عبد الله التليدي أشار -حفظه الله- في هامش (ص 299) من كتابه "إتمام المنة بشرح منهاج الجنة" عند كلامه على كيفية قيام المصلي بعد السجود وأنه يعتمد على يديه، قال: « باسطهما غير قابضهما، أمَّا حديث: كان إذا قام في صلاته وضع يده على الأرض كما يضع العاجن، فقال ابن الصلاح: هذا الحديث لا يَصحّ، ولا يُعرف، ولا يَجوز أن يُحتج به. وقال النووي في شرح المهذب (3/419): هذا حديثٌ ضعيفٌ أو باطلٌ لا أصل له. نقله الحافظ في التلخيص وأقرّه ». انتهى. 

وتكلم عليه أيضاً الشيخ حسن بن علي السقاف في "صحيح صفة صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم"، فقال  (ص 190): « رواه إبراهيم الحربي في غريب الحديث من طريق يونس بن بكير، عن الهيثم، عن عطية بن قيس، عن الأزرق بن قيس، عن ابن عمر رفعه !! ». 
ثم قال: « وقد أخطأ مَن حسّنه خطأ فادحاً، لأن الهيثم بن عمران الذي في سنده ضعيف، وذلك لأنه لم يُوثقه إلا ابن حبان، وقد خالف الهيثم الثقات الذين وقفوه ولمْ يرفعوه، كما لم يذكروا فيه لفظ العجن في "سنن البيهقي"(2/135) فلم يتابعوه بل خالفوه، وهو لا يحتمل التفرد. والراوي عنه يونس بن بكير قال عنه الحافظ في "التقريب": صدوق يخطئ. وهذا لا شك من جملة أخطائه ». 
وأشار إلى أن الشيخ الألباني نفسه أشار في "ضعيفته" (3/68) إلى أنه يُخطئ، ثم قال: « فالسند ضعيف حقيقة، ولأنه مخالف لرواية الثقات التي أشرنا إليها صار باطلا كما حكم عليه النووي في المجموع (3/442) ». 
وكان خلاصة بحثه، أنه « يُكْره أن يقبض يديه في اعتماده على الأرض حين يقوم، فلا يجمعها كالعاجن، لاسيما وأحاديث الصلاة جميعها تثبت أن الاعتماد في جميع أحوال الصلاة على اليدين إنما يكون بالراحتين أي باطن اليدين ».اهـ

بل إنه ألّف رسالة خاصة في رَدّ الحديث عَنْونها: "إبطال التصحيح الواهن لحديث العاجن".

كما ألف الشيخ القاضي بكر أبو زيد رحمه الله: "جزء في كيفية النهوض في الصلاة وضُعف حديث العجن"، ردّ فيه الحديث من جهة المتن والسند، وخلص فيه إلى أنه « لا حُجة على مشروعية هذه الهيئة »، وجعل « ترك التسنن به مدى القرون علّة قادحة »، و« أيضاً فابن قيس عاصر بعض الصحابة رضي الله عنهم غير ابن عمر رضي الله عنهما وروى عنه، وظاهر السياق على التسليم يفيد أنه ما رأى هذا العجن إلا عند ابن عمر، فكيف ترك الناس والصحابة الاستنان بها ؟ وما هذا- والله أعلم- إلا لأنها حال اضطرار، وحال ابن عمر رضي الله عنهما البدنية تدلّ على هذا وبمثل هذا علّلت بعض الأعمال ».. إلخ ما قال رحمه الله.
وقال غيره من شيوخ السلفية مثله. 
ومَن يبحث يجد ذلك.

وقد طُرِح السؤال عن هذه الهيئة على هيئة الإفتاء في موقع "إسلام ويب"، فكان جوابهم: « الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فذهب الحنفية والحنابلة إلى أن الأفضل أن يعتمد المصلي عند قيامه على ركبتيه لا على يديه إلا عند المشقة فلا حرج. وذهب المالكية والشافعية إلى أن الأفضل أن يعتمد على بطن راحته وبطون أصابع يديه دون قبض، لأن الحديث الوارد في القبض ضعيف كما في المجموع للنووي، ونصب الراية للزيلعي. وعلى القول بصحته فلا يدل على القبض كما بين ذلك ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج" قائلاً: وأن يعتمد في قيامه من السجود والقعود وللاستراحة أو التشهد على بطن راحة وأصابع يديه موضوعتين بالأرض، لأنه أعون وأشبه بالتواضع مع ثبوته عنه صلى الله عليه وسلم، ومن قال يقوم كالعاجن بالنون أراد في أصل الاعتماد لا صفته وإلا فهو شاذ. 
وذهب بعض العلماء إلى قبول الحديث وفسروا العجن بالقبض كما في صفة الصلاة للشيخ الألباني رحمه الله. والله أعلم » انتهى.

فالصواب ترك هذه الهيئة التي صارت شعار مُقلدة الشيخ الألباني رحمه الله من السّلفية، والذين جعلوها من سنن الصلاة المميزة لمن يتبع -في نظرهم- السنة الصحيحة الثابتة.
اللهم حبب إلينا السنة المحمدية، وزدنا محبة لنبينا المصطفى الأكرم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.


هناك تعليقان (2):

  1. الألباني أعلم بالحديث من هؤلاء ورده على الشيخ بكر رحمهما الله في تمام المنة راجعه بتجرد ينجلي لك الأمر وهل العجن إلا اعتماد على اليدين ؟ فالإعتماد ثابت والعجن إحدى كيفياته التي لم ينص عليها فلم الإنكار ؟ز

    ردحذف
  2. شكرا لك على التعليق
    أما ما كتبه الشيخ الألباني في تمام المنة فقد كنت قرأته قبل أن أكتب ما هنا، وهو حقيقة أعلم من بكر أبو زيد في علم الحديث، هذا أوافقك عليه. لكن أن تقول أنه أعلم من شيخ الاسلام أمير المؤمنين في الحديث الحافظ ابن حجر ومن الحافظ الزيلعي ومن الحافظ النووي ومن الحافظ عمرو بن الصلاح ومن العلامة المحدث الشيخ التليدي فشيء غريب جدا!! بل هم أعلم منه في علم الحديث وفي باقي العلوم الأخرى. ولك أن تراجع تناقضات الألباني الواضحات كي تعلم كيف أنه كان لا يعرف رجال الصحيحين، ويوثق الرجل في مكان ويضعفه في مكان آخر، ويصحح الحديث في كتاب ويضعفه في كتاب آخر.. وقد رد عليه أحكامه في الحديث تلامذته وغيرهم..

    ردحذف