أتممتُ ـ يوم الجمعة الماضي ـ قراءة كتاب "نزهة الناظرين وكعبة العاشين" للشيخ الدكتور النسابة سيدي فؤاد فوزي الطرابلسي وَصَوْتُ المؤذن يسري في الفضاء معلناً دخول وقت صلاة المغرب، فأطبقتُ الكتاب وكُلي حُبور حيث مَنّ الله تعالى عليّ بحيازة هذا الكتاب القيم، ووفقني للاطلاع عليه.
وإني ـ
حقيقة ـ أحبّ هذا النوع من المؤلفات، وأُعَظّم من يُحيي مناقب شيوخه أو يترجم
لأعلام بلدته أو مَصْره وعصره. وقد وجدتُ "نزهة الناظرين" كاسمه، فهو
نزهة لمحبي التصوف، يجدون فيه تراجم كبار الشيوخ الذين أسسوا تلك الطرق وأناروا
تلك المسالك للسالك.
كما
يجد فيه المهتم بالأنساب مُشجرات وسلاسل تصل أولئك الأعلام بحضرة المصطفى صلى الله
تعالى عليه وآله وسلم أو بالصحابة رضوان الله عليهم أو بغيرهم من المشايخ كبار.
كما
تجد فيه من الحكايات الغريبة والكرامات العجيبة التي يرويها من كتب مطبوعة، أو
مخطوطات نادرة قد لا تجدها إلا لديه، أو مما سمعه من والده أو مشايخه بأسانيدهم،
ما يَفرح له المُعتقد ويزيده محبة في هذه الطائفة المباركة.
وقد
مهّد للكتاب ببيان المقصد من تأليفه له، وأنه لخّصه من كتابه ـ المخطوط ـ "الجامع
الكبير في أنساب عائلات طرابلس الفيحاء وتراجم أعيانها"، وذكر ـ وَفّقه الله
ـ أنه يرجو أن يكون كتابه هذا « سيفا قاطعا، وحِرزا مانعا» (ص:8)، لذلك تراه يفيض
في ذكر الكرامات، ويُطلق على أولئك السادة الأماجد ألقابا جدّ عالية، ويبين رأيه
في بعض القضايا التي كثر النقاش حولها، فيذهب فيها للرأي السديد ينصره لا يخشى
سهام أهل الضلال والبدعة، كقضية التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنه « جائز في
شرعنا بإجماع أهل السنة والجماعة » (ص:337)..
وقد جعل الكتاب أبوابا:
- الباب
الأول تحدث فيه عن فضل التصوف، وأحوال السادة الصوفية، وعن مراتب الأولياء،
والكرامة ومعناها، وعن النبوة، وتاريخ تلك الطرق وأبرز رجالاتها عبر القرون، فأعطى
نماذج من أولئك الرجال في كل من الجزائر ومصر وتركيا وليبيا والمغرب والعراق.
- ثم تحدث في الباب الثاني عن تاريخ الطرق الصوفية بمدينته طرابلس التي قيل عنها أنها «مدينة العلم والعلماء»، وأنها «عش الأولياء»، فبين أصولها، وفروعها، وأشهرها، وتراجم أعلامها.. فذكر من تلك الطرق: الطريقة الشاذلية، والتجانية، والسهروردية، والرفاعية، والقادرية، والمولوية، والنقشبندية، والأدهمية، والأحمدية البدوية. وتراه في كل مرة يذكر أسانيده التي تصله بها، وأنه يروي أورادها عن مشايخه إلى أصحابها، فمن مشايخه مسند الديار اللبنانية الشيخ حسين عسيران، ومحدث الديار الأردنية حسن بن علي السقاف، والدكتور المسند يوسف المرعشلي، والشيخ العلامة سيدي الحسن بن الصديق الغماري الطنجي وغيرهم.
- ثم يدخل في الباب الثالث حيث يترجم فيه لمشاهير أولياء مدينة طرابلس، فيذكر نسبهم، ومشايخهم، ومؤلفاتهم، وتلامذتهم، ويعدد مناقبهم وكراماتهم، وقد توقف عند العارف الكبير سيدي علي العمري فعدد من كراماته ما ملأ أزيد من ثلاثين صفحة ! وأذكر أنني حين قرأتُ "جامع كرامات الأولياء" للإمام النبهاني بقي اسم علي العمري في ذاكرتي راسخاً حيث استغربتُ ما ورد في ترجمته ـ رضي الله عنه ـ كثيراً مع أنني من المصدّقين بكرامات الصالحين وما يقع على يدهم من خوارق العادات.
- أما الباب الرابع، فقد وصف فيه مقامات أولياء طرابلس، وهو ـ في الأغلب ـ يعتمد في وصفها على ملاحظاته الميدانية وزياراته لها، فيسجل ما قرأه على اللوحة الرخامية التي على حائط الضريح، أو ما نُقش من أبيات شعرية على مقام الولي، وقد يذكر وصف المقام من سجل قديم، أو نقلا من رحلة الشيخ النابلسي أو غير ذلك من المصادر.
ثم هو في نقله ليس كحاطب ليل، بل قد يصوب خطأً، ويرجح قولا، معتمدا ـ في ذلك ـ على وثائق مهمة عنده، أو حسب ما في شواهد القبور التي وف عليها، أو غير ذلك.
- أما الباب الخامس فعنونه بـ « الآثار النبوية في البلدان الاسلامية »، فذكر ما يوجد منها في القاهرة، وطرابلس الغرب، ودمشق، والبوسنة، وصنعاء، والمدينة المنورة، وكندا، والأستانة، والهند، وبيروت، ومدينته طرابلس، وإيران، والنجف.
وختم الكتاب ـ الذي فرغ من كتابته يوم الثلاثاء 1 محرم سنة 1427 هـ ـ بالدعاء لنفسه ولوالديه ولمشايخه ولجميع المسلمين، ثم بمشجرات لبعض الطر الصوفية الواردة في الكتاب.
لقد خدم أخي الدكتور سيدي فؤاد فوزي الطرابلسي بكتابه هذا أهل مدينة طرابلس خدمة جليلة، وصار الناظر إلى هذه المدينة الجميلة يستحضر أن لها ماض روحي وثقافي مجيد، وأنها أنجبت وأضافت مشايخ كبار كانت أعلامهم في سماء الولاية جد عالية، فهي بهم تفخر وتزهو على باقي المدن.
فهنيئا
له بما خطت يمينه، فإنه لاشك يُرضي من ترجم لهم من الأولياء، كما يُرضي كل محب في
أهل الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق