اللوحة الرخامية الملصقة بجانب باب دار الشيخ ابراهيم التادلي ـ بعدستي ـ
من
الناس من يمضي على انتقالهم للدار الآخرة سنوات وعقود، غير أن أثر خطواتهم التي
خطوها بين تلك الدروب ونحو تلك المجالس العلمية لا يزال يعبق منها ريح المِسك
وتفوح منها رائحة الطيب، لذلك ترى الكل يخبرك عنهم باشتياق وحَنان
يقول: "مِنْ هنا مَرّ فلان الذي كان عين الأعيان وسيد أهل الزمان، رحمه
الله تعالى ورفعه إلى مرتبة الشيخ فلان والإمام عِلان".
ومِن
أولئك السادة الذين كان لهم مثل هذا الأثر في قلوب أبناء مدينة الرّباط: شيخ
الجماعة الإمام العلامة سيدي إبراهيم التادلي عليه الرحمة والرضوان.
فمن
يكون هذا السيد الجليل الذي أصبح لا يعرفه الآن إلا من يعتني بالرواية أو له
اهتمام بفن التراجم وتاريخ العدوتين: الرباط وسلا ؟
هو
الإمام العلامة الفقيه النحوي المحدث الرباني المجدّد الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن الفقيه محمد ابن عبد القادر التادلي
الشريف الحسني الرباطي.
ولد ليلة الأحد 28 ذي الحجة سنة 1242هـ، ومنذ ظهوره وهو يرتقي سلّم المجد، ويتدرج في تحصيل العلوم والتخلق بالكمالات بتؤدةٍ وثباتٍ، حتى حاز أعلى المراتب واتّصف بأكمل الصفات.
ولد ليلة الأحد 28 ذي الحجة سنة 1242هـ، ومنذ ظهوره وهو يرتقي سلّم المجد، ويتدرج في تحصيل العلوم والتخلق بالكمالات بتؤدةٍ وثباتٍ، حتى حاز أعلى المراتب واتّصف بأكمل الصفات.
* شيوخه:
أخذ العلم عن شيوخ فاس ولازمهم نحو خمس عشرة سنة، وعن شيوخ مراكش، ومكناس، والرباط، ومصر، والحرمين الشريفين، وغيرهما من الأقطار.
أخذ العلم عن شيوخ فاس ولازمهم نحو خمس عشرة سنة، وعن شيوخ مراكش، ومكناس، والرباط، ومصر، والحرمين الشريفين، وغيرهما من الأقطار.
ومن
اتساع نظرته وسِعة أفقه، سافر لاسبانيا فقرأ هناك بعض العلوم الحديثة !
- فمن
شيوخه المغاربة: الشيخ بدر الدين الحمومي، والشيخ
الوليد العراقي (أجازه)، والشيخ أحمد بن أحمد بناني (أجازه )، والشيخ محمد بن عبد
الرحمن الفلالي، ومحمد بن حمدون بن الحاج، وشيخ الطريقة المختارية بالمغرب الحاج
محمد بن دح الأزموري المختاري قال:« أجازني بمكة، عن شيخه سيدي عمر بن المكي بن
المعطي بن الصالح صاحب "الذخيرة"، عن السيد شمهروش قاضي الجان عن النبي
صلى الله عليه وسلم، ولا سند أعلى من هذا السند اليوم في الدنيا كلها »، والحاج
الداوي التلمساني، والشيخ العباس ابن كيران، وإمام أهل المعقول الشيخ عبد السلام
ابن غالب، وذَكر عنه أنه كان عارفاً بعلم الموسيقى يُحسن عملها بفمه ويلازم سماعها
الليالي، وغيرهم.
- ومن
شيوخه بالحجاز: الشيخ الصديق الهندي (أجازه)،
وشيخ الجماعة جمال الدين الهندي الحنفي قال:« أجازني رضي الله عنه بجميع مروياته
عن جميع أشياخه إلى أئمة الحديث كمالك والبخاري ومسلم، ومع ذلك كان إذا رآني - رضي
الله عنه- بالمسجد الحرام بمكة قام وجاء إليّ وقبّل يدي كرهاً »، ومفتي الشافعية
بمكة الإمام أحمد بن زيني دحلان قال:« حضرتُ مجالسه في الحديث والتفسير وأجازني
بكتب الحديث مِن مروياته بسند عن جميع أشياخه إلى الإمام مالك رضي الله عنه »،
ومفتي الحنفية بالمدينة الشيخ يوسف الغزي، وغيرهم.
- ومن
شيوخه بمصر: الشيخ عليش المالكي قال:« حضرتُ مجلسه
بمصر مراراً في الحديث وغيره، وأجازني بالموطأ وغيره مشافهة بمصر بعدما قرأتُ عليه
الحديث بالمسجد الحسيني، ودعاني رحمه الله لبيته، فبِتّ عنده وأكرمني أكرمه الله
بكل خير، وكان زارني ببيتي الذي كنتُ نازلا فيه بمكة المكرمة لما حجّ مع ولده
بعدما طلبته لذلك »، والشيخ البناء مفتي الحنفية بالاسكندرية (أجازه)، والشيخ حسين
بن إبراهيم الأزهري ثم المكي مفتي المالكية وشيخهم بمكة (أجازه مشافهة وبخطه).
- وأخذ
عن شيخ العلماء بالخليل الشيخ التميمي (أجازه)، وعن شيخ العلماء بدمشق الشيخ العطار قال:« حضرتُ مجلسه في
التفسير بين العشائين بالجامع الأموي، ولما رآني جئت درسه صار يناديني:" أقبلْ
أقبلْ "، فاستحييتُ منه، فأقبلتُ ودخلتُ حلقة درسه، وفيها من أعيان الشام نحن
ثلاثمائة، فأجلسني حذاءه، ثم أقبل على درسه إلى العشاء. ثم طلبته أن يزورني ببيتي
الذي أنا نازل فيه، ثم أجازني وطلب مني الإجازة، فأجزته بالإجازة العامة تبركاً به
وبأتباعه رضي الله عنهم ». وأجازه ابن عم الشيخ العطار وهو شيخ القراء بالشام،
وغيرهم.
* تلامذته:
وقد تتلمذ
على هذا الإمام غير واحد من الشيوخ الكبار، واستفادوا منه وتشرفوا بمجالسته وافتخروا بذلك، منهم
جماعة كثيرة من أعلام الرباط وغيرها من المدن، ومن الذين فازوا بإجازته:
-
الشيخ سيدي محمد بن خليفة المدني، وإجازته له تجدها في ص:16 من كتاب "شيخ
الجماعة أبو إسحاق التادلي الرباطي" الذي ألفه العلامة عبد الله الجراري
رحمه الله.
-
العلامة الوزير سيدي محمد بن عبد السلام الرندي، وإجازته له تجدها منصوص عليها في
ص:58 من كتاب "العلامة محمد بن عبد السلام الروندي" الذي ألفه حفيده الشيخ سيدي الصديق الروندة.
-
تلميذه الخاص شيخ الجماعة بالرباط العلامة الأديب اللبيب سيدي المكي بن محمد
البطاوري، وتجد إجازته له مقيدة في كتاب "قدم الرسوخ" للعلامة سيدي أحمد
سكيرج ص:339، وقد طُبع مؤخراً للشيخ المكي (سنة 2010 م بالرباط) كتاب
"معراج الراقي لألفية العراقي" اعتمد في شرحه عليها على « كلمات لطيفة
وعبارات شريفة» وهي مما قيّده عن شيخه ابراهيم التادلي في دروسه الحديثية.
-
الشيخ سيدي الهاشمي الحجوي، وتجد إجازته له مقيدة في "الاغتباط" ص:479.
-
العلامة الفقيه سيدي زين العابدين البناني، وتجد إجازته له أيضاً في
"الاغتباط" ص:476، وفي ترجمته المفردة للجراري ص:14.
-
الشيخ العارف سيدي فتح الله البناني، وقد أجازه « إجازتين، إحداهما بواسطة أخيه
زين العابدين، والثانية بواسطة شيخه سيدي الهاشمي الحجوي رحمه الله »، وتجدهما في كتابه "المجد الشامخ"، ذكر ذلك الشيخ أحمد سباطة في ترجمته للشيخ
فتح الله البناني المنشورة أول كتاب "تحفة أهل الفتوحات والأذواق" ص:7.
وغيرهم.
بل إنه أجاز كل أهل زمانه، فقد قال العلامة محمد بن علي دنية في "مجالس الانبساط" (ص:242):« قد وقفتُ على عدة إجازات للمترجم أجاز بها البعض من تلاميذه وغيرهم، وفي جلها أنه يجيز الطالب وغيره من طلبته، وكل من وقف عليها بل عثرت له على إجازة عامة أجاز بها جميع من في الدنيا شرقاً وغرباً جناَ وإنساً حفظاً لبقاء السند في هذه الأمة المشرفة الذي هو من خصائصها ».
بل إنه أجاز كل أهل زمانه، فقد قال العلامة محمد بن علي دنية في "مجالس الانبساط" (ص:242):« قد وقفتُ على عدة إجازات للمترجم أجاز بها البعض من تلاميذه وغيرهم، وفي جلها أنه يجيز الطالب وغيره من طلبته، وكل من وقف عليها بل عثرت له على إجازة عامة أجاز بها جميع من في الدنيا شرقاً وغرباً جناَ وإنساً حفظاً لبقاء السند في هذه الأمة المشرفة الذي هو من خصائصها ».
٭٭٭
ويتصل
الإسناد إليه من طريق العديد من شيوخ الرواية:
- فيَروي
الحافظ أحمد بن الصديق وشقيقه العلامة عبد الله بن الصديق والقاضي عبد الحفيظ الفاسي
والأديب أحمد سكيرج والعلامة أحمد بن عبد النبي السلاوي، عن شيخ الجماعة العلامة المكي
البطاوري، عنه.
- ويروي
الحافظ أحمد بن الصديق وشقيقه العلامة عبد الله بن الصديق، والعلامة المحدث محمد المنتصر بالله الكتاني، عن العارف فتح الله
البناني، عنه.
- ويروي القاضي عبد الحفيظ الفاسي، عن الشيخ العربي التهامي الوزاني، عنه (سمع عليه "الصحيح"، وأخذ
عنه "دلائل الخيرات").
- ويروي
العلامة المؤرخ عبد الله الجراري، عن العلامة سيدي محمد بن عبد السلام
الرندي، عنه.
- ويروي
الحافظ عبد الحي الكتاني، عن عدد من المشايخ، عن الشيخ محمد بن خليفة
التونسي، عنه.
- والقاضي عبد الحفيظ الفاسي عن الشيخ أحمد بن العباس البوعزاوي، عن الشيخ محمد بن خليفة،
عنه.
٭٭٭
* مؤلفاته:
٭٭٭
وبعد حياة حافلة بالتدريس والعلم والبحث، انتقل إلى رحمة الله تعالى ليلة الجمعة 18 ذي الحجة سنة 1311هـ، وُصلّي عليه بالمسجد الأعظم بعد صلاة الجمعة، ودُفن بالمسجد الذي أحدثه بداره حيث كان يُدرس العلم.
وقد
رثاه جماعة من العلماء والأدباء.. ومما قاله شيخ الجماعة المكي البطاوري ـ رحمه
الله ـ يرثيه:
حُكم الإله بذي الخليقة جاري ** تفنى البرية والبقا للباري
من
للحديث ودرسه وعلومه ** وسماته ورجاله الأبرار
حُكم الإله بذي الخليقة جاري ** تفنى البرية والبقا للباري
و الحيّ ميت لو يطول بقاؤه ** ورحا المنون تدور
بالأعمار
لكن مصائب ذا المنون تفاوتت ** لا يستوي ذو
العلم مع أغمار
أودى الإمام ذو المعالي شيخنا المـ ** ـولى أبو
إسحاق ذو الأسرار
العالم العلم الهمام
المرتضى ** فخر الزمان وزينة الأمصار
قد كان
قسم دهره متعبدا ** ما بين نشر العلم والأذكار
أحيا
به المولى علوما جمة ** ودعاه مبرورا لخير جوار
فالعين
تبكي بالدما لفراقه ** والقلب مطوي على الأجمار
تبكي
المجالس والمدارس فقده ** أسفا عليه بدمعها المدرار
تبكي المحابر والدفاتر
واليرا ** ع وذو النباهة والنهى والقاري
من للقواعد موضحا اشكالها
** من للعلوم مسدد الأنظار
من للفوائد والفرائد
معلنا ** ببيانها من غير ما استصغار
من للبيان وللمعاني
وللكلا ** م وللأصول ورتبة النظار
آه على تلك الدروس تعطلت ** أعلامها من غير ما
استظهار
آه على تلك المباني قوضت ** أطنابها من بعد ما
اشتهار
آه على طود العلوم تضعضعت ** أركانه وعبابها
التيار
فلئن يمت فلقد بقت آثاره ** ما مات حقا تارك
الآثار
اختاره المولى لحضرة قدسه ** فسرى من الدنيا
لدار قرار
سحت على مثواك جود غمامة ** وسقى ضريحك صيب
الأنوار
وعليك من رب العوالم رحمة ** تغشاك بالآصال
والإبكار
٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭
( المراجع )
- "معجم الشيوخ" للقاضي عبد الحفيظ الفاسي.
- "فهرس الفهارس والأثبات" للحافظ عبد الحي الكتاني.
- "الاغتباط" للمؤرخ محمد بوجندار.
- "مجالس الانبساط" للمؤرخ محمد بن علي دنية.
- "قدم الرسوخ" للقاضي أحمد سكيرج.
- "من أعلام الفكر المعاصر" للمؤرخ عبد الله الجراري.
- "شيخ الجماعة العلامة أبو إسحاق التادلي" للمؤرخ عبد الله الجراري.
- "سبيل التوفيق" للعلامة عبد الله بن الصديق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق