في يوم 28 غشت من سنة 1999م، انتقلت روح العلامة المحقق الفقيه الشيخ سيدي محمد المنوني
إلى ديار الآخرة، ارتحلتْ عنا وقد خلفتْ وراءها ذِكْراً طيباً وثناءاً عطِراً وإرثاً
علمياً مباركاً يُقدّره أهل المعرفة، ويَدري قيمته من له كبير علم واطلاع.
ولد
العلامة محمد بن عبد الهادي المنوني بمدينة مكناس سنة 1915م، حفظ القرآن الكريم
وتعلم مبادئ القراءة والكتابة وهو صغير، ثم حفظ - بعناية والده - العديد من المتون
المتداولة في مختلف الفنون، كما أخذ عن العديد من مشايخ مكناس، كشيخ الجماعة محمد بن
الحسين العرائشي، والشيخ الحاج المختار السنتيسي.
ثم انتقل سنة 1938م لفاس حيث استكمل تعليمه هناك إلى أن تخرج من جامعة القرويين، وممن أخذ عنه من المشايخ بتلك الحضرة الفاسية: الشيخ عبد الله الفضيلي، والشيخ العباس بن أبي بكر بناني، والشيخ عبد العزيز بن أحمد بن الخياط، وغيرهم.
ثم انتقل سنة 1938م لفاس حيث استكمل تعليمه هناك إلى أن تخرج من جامعة القرويين، وممن أخذ عنه من المشايخ بتلك الحضرة الفاسية: الشيخ عبد الله الفضيلي، والشيخ العباس بن أبي بكر بناني، والشيخ عبد العزيز بن أحمد بن الخياط، وغيرهم.
وقد
أجازه العديد من المشايخ بالمشرق والمغرب، منهم: الشيخ عبد الحي الكتاني، والقاضي
العباس بن ابراهيم المراكشي صاحب كتاب "الإعلام"، والشيخ الحسن مزور، والشيخ
عبد الرحمن بن زيدان، والشيخ المسند عبد الحفيظ الفاسي، والشيخ المحدث المدني بن
الحسني، والشيخ الرباني محمد الباقر الكتاني، والشيخ المحدث عمر حمدان المحرسي، والشيخ
المسند محمد راغب الطباخ وغيرهم.
كان
للعلامة المنوني اطلاع واسع، يدل على ذلك ما أبدعه يراعه من مؤلفات قيّمة وتحقيقات
نفيسة، وقد نعته أبو القاسم محمد كِرّو بأنه « أكاديمية كاملة تمشي على الأرض »[1]، وكانت ثقافته متنوعة، فقد كتب نواح عديدة من
الفنون، فتارة نَراه يؤلف في مجال التاريخ، وتارة في التراجم، كما كتبَ في مجال
فهرسة المخطوطات، وفي ميدان التعليم، والسيرة، والفنون، والأدب وغير ذلك. لقد كان صاحب قلم سيال يُمَكنه من الخوض في كل تلك المسالك، لذلك كان من نوادر هذا العصر.
وقد
نُوِّهَ به، وحاز جوائز وأوسمة داخل المغرب وخارجه، وكان من حظ طلبة العلم أن اشتغل
أستاذ السلك العالي في كلية الرباط، فاستفادوا بالقرب منه علوماً جمة وأدباً
رفيعاًً، ولا يزال طلبته ومن خالطه لليوم يذكرون وقاره وتواضعه الشديد وخصاله
النبيلة وما يبذله في سبيل خدمة العلم وأهله من جهد ووقت ومخطوطات يقدمها لمن
يطلبها منه بصدر رحب.
لذلك
لا يستغرب الإنسان إنْ علم أنه أقيم له حفل تكريم بمدينته مكناس، فالرجل أسهم في
تنوير فكر أبناء هذا البلد بمؤلفاته ومحاضراته ومقالاته وأبحاثه.. فتكريم مثله
دَينٌ على عاتق أبناء البلد ورجال المعرفة.
وإنْ كان الرجل قد يجهله الكثيرون، فإنه عند العلماء معروف، ممدوح.
فهذا
العلامة المحقق سيدي عبد السلام الهراس - رحمه الله- ينعته بـ «أخينا العلامة
الرباني»[2].
ونعته وزير الأوقاف الدكتور أحمد توفيق بأنه « رجل من الصالحين »[3]. وهذا
الأستاذ الدكتور سيدي حسن بن عبد الكريم الوراكلي يصفه بأنه « شيخ الباحثين في تراث
المغرب، العالم المحقق، الأستاذ »[4].
ووصفه شيخنا العلامة المحقق سيدي محمد آل رشيد بـ «شيخنا العلامة المحقق المؤرخ
الناقد المشارك السيد»[5]، وقد
قام شيخنا - حفظه الله- بتحقيق ترجمته لنفسه، وأضاف إليها نصوص إجازاته، مع توثيق
مقالاته، مع نماذج من تقاريظه وأغلفة كتبه، فخدمه بذلك خدمة جليلة.
يقول
الدكتور أحمد توفيق: « كانت لي معه -رحمه الله- أسرار من قبيل كلام
البهاليل، وقد تذاكرنا ذات يوم حول الصالحين الذين عرفوا من قبيل الكرامات -وبإذن
الله- متى يوفى أجلهم، فقال: "أمّا أنا فقد رأيتُ رؤيا بعد وفاة الفقيه
الرحالي، أنني سأموت بعده بأربع عشرة سنة". وكان الرحالي الفاروقي توفي سنة
1985. وهكذا صدقت رؤياه، وهذه من آيات الصالحين »[6].
فرحم
الله الشيخ العلامة محمد المنوني رحمة واسعة، وبلغه المراتب العالية، والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق